الدور الإقليمي للمغرب.. إلى أين؟

الدور الإقليمي للمغرب.. إلى أين؟
طلوع عبدالإله: دكتور في القانون العام والعلوم السياسية

حظيت الدائرة العربية في المراحل السابقة باهتمام بارز ومتميز لدى الدبلوماسية المغربية، فقد كانت المملكة المغربية في مقدمة بلدان المغرب العربي التي توجهت للإهتمام بالعلاقات السياسية بينها وبين الدول العربية والإهتمام بالقضايا العربية الساخنة وفي مقدمتها قضية فلسطين والصراع العربي.
والأكيد انه ليس ثمة خلاف على حيوية الدور الذي لعبه المغرب في المنطقة العربية والذي أكسبه إلى حد بعيد الكثير من زخمها وهيبتها منذ أمد طويل_ بيد أنه في الآونة الأخيرة ثارت علامات استفهام حول طبيعة هذا الدور، خصوصا في ظل ما يعتريه من تغيرات صبت في مجملها في انحساره وأفوله وتراجعه بشكل غير معهود، وتحديدا منذ بداية أواخر التسعينات من القرن الماضي، وازداد حدة في وقتنا الحاضر، الأمر الذي اعتبره البعض خروجا عن المألوف.

وإذا كان البعض يعزو هذا التراجع إلى تغير في ديناميات البيئتين الإقليمية والدولية، وهو ما يصعب اغفاله بالطبع، فإن هناك عوامل أخرى داخلية أغلبها _ إرادي نعتقد بدورها القوي في تفسير هذا التراجع والانحسار.

ولاغراض التحليل يمكن الحكم على مدى قوة أو ضعف السياسة العربية للمملكة المغربية( ومنها المغاربية ) من خلال التعرض لأحد المؤشرات الهامة على قياس حركة هذا الدور ومساره صعودا وهبوطا وهو: ملف الصراع العربي الاسرائيلي، والذي ينظر اليه الكثيرون باعتباره المرآة العاكسة لسطوع الدور العربي للمملكة المغربية خاصة بعد التطبيع.
فالصمت المغربية اتجاه القضايا العربية يمكن تفسيره بأن المغرب يعتبر منطقة الشرق الأوسط بؤرة صراعات وتوترات تجعل من الصعب اتخاذ مواقف معينة قد تزيد من تعقيد الأمور.
اما فيما يخص الملف المغاربي فيمكن القول إن الدور الإقليمي للمغرب في فترات سابقة عرف مدا وجزرا، فاليوم يعرف تراجعا خطيرا وغير مسبوق، ونو تراجع مبرر -في جزء منه- على صعيد العلاقات المغربية الجزائرية وهو ملف الصحراء المغربية ومشكل الحدود، وذلك باعتبار أن محددات الصراع قد تكون خارجة عن سيطرة الموقف المغربي، فالمغرب منذ حصوله على الاستقلال وهو يعاني من عدم تفهم الجيران لمطالبه الترابية.
فالمغرب لازال يعيش جوارا صعبا مع الجزائر التي سخرت كل إمكانياتها الدبلوماسية والسياسية والعسكرية والاقتصادية لتفتيت الوحدة الترابية للمغرب، ومعاكستها في المحافل الدولية ومحاولة فرض وجهة نظرها الضيقة حول مفهوم تقرير المصير الذي بالنسبة لها ليس مرادفا إلا للاستقلال، بل وتنعت المغرب بالدولة المحتلة، وتقتل وتحتجز مواطنين مغاربة على أراضيها وهذا خرق سافر للمواثيق الدولية المتعلقة بسياسة حسن الجوار، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
ان المغرب لعب دورا قويا الذي في تأسيس الإتحاد المغاربي الذي يعتبره هدفا استراتيجيا ومصلحة وطنية عليا في اتجاه بناء تكتل قوي لمواجهة طوفان العولمة وإنقاذ المنطقة في السنوات الأخيرة، لكن كما قلنا تعنت الجزائر ومعها تونس مؤخرا ومشاكل ليبيا يصعب مأمورية تكوين هذا التكتل بل واستحالة خروجه للوجود.

واذا كان المغرب ومن خلاله الملك محمد السادس مد يده للجزائر غير ما مرة من اجل التعاون ونبذ الخلافات، ويصر على فتح الملفات العالقة بين الجانبين لتفعيل الإتحاد المغاربي منها قضية مغربية الصحراء ومشاكل الحدود، فإن الجزائر تصر على فصل قضية الصحراء هن مشكل اتحاد المغرب العربي، وتركها في عهدة الأمم المتحدة.
ان تراجع الدور المغاربي للمملكة راجع لعوامل خارجة عن إرادة المغرب، وهو التعنت الجزائري والعقلية المتحجرة لحكام الجزائر الذين مازالت تحكمهم أجواء الحرب الباردة وحلم الزعامة وما يسمى بثورة المليون الشهيد الذي أكل عليها الدهر وشرب.
وتظل كل هذه الشواهد دليلا واضحا على انحسار الدور الإقليمي للمغرب عربيا ومغاربيا، وهو ما يدفعنا بالضرورة للبحث في محددات وأسباب هذا الانحسار أملا في استدراكه ورغبة في عودة دور المغرب إلى مكانه الطبيعي.
وبعيدا عن التعميمات والمساحات الرمادية، يمكن تفسير هذا التراجع بنوعين من المحددات: أولهما خارجي ويجب عدم التعويل عليه كثيرا حتى لا يفتقد التحليل جدواه، والثاني داخلي وهو ما يتطلب وقفة جادة اذا كانت هناك نية لاستدراك هذا التراجع واستعادة ذلك الدور.
وفينا ما يخص المحددات الخارجية- ونقصد بها الخارجة عن سيطرة الدور المغربي- فيمكن الإشارة إلى عدة حقائق:

أولها، التغيرات التي حدتث في البيئة الدولية، والتي شكلت منعطفا هاما في توازنات القوى العالمية، رآه البعض انقلابا في مكونات هذه البيئة وخروجا عن عناصرها الحاكمة منذ مطلع القرن الفائت، وتمثل ذلك في اسنمرار انهيار المنظومة الاشتراكية من جهة، وبروز قوى جديدة في المتتظم الدولي اقتصاديا وعسكريا. من جهة أخرى، وهو ما يستدعي ويُفترض معه – نظريا- إعادة فك وتركيب الأدوار الإقليمية للدول بما فيها المغرب.

ثانيا : التغيرات التي ألمت بالبيئة الإقليمية، وتغير معادلات القوى الاقليمية، بحيث لم يعد هناك دولة كبيرة أو صغيرة بعدما انقسم الصف العربي في معسكرات متنافرة، وعليه بدا الدور المغربي أقل جاذبية وإقناعا ضمن إحدى المعسكرات.

وثالث هذه المحددات هو الارتباط القوي بين المغرب والاتحاد الأوروبي والبحث عن وضع متقدم في علاقات المغرب مع الإتحاد الأوروبية، رغم الصراعات الأخيرة مع فرنسا وألمانيا، هذا الارتباط هو الذي أثر بشكل سلبي على حيوية الدور المغربي وفاعليته، وقدرته على الانعتاق من الضغوط الأوروبية التي تحدد- بشكل غير مباشر- مسارات حركته.

ورغم وجاهة هذه المحددات الخارجية وتأثيرها على حدود الدور الإقليمي للمغرب، فإنه يجب عدم التذرع بها لتبرير تراجع هذا الدور، فتغير الظروف الدولية والإقليمية قد لا يعني بالضرورة النيل من دور الدولة الإقليمي بقدر ما هو مرتبط بمدى قدرة هذه الدولة على تكييف أوضاعها بحيث تتناغم مع هذه التغيرات الجديدة، وحتى لا تفقد بريقها.
اما فيما يخص المحددات الداخلية لتراجع الدور المغربي، فيمكن الحديث- باختصار – عن ثلاث منها : الأول هو ملف مغربية الصحراء والذي يؤثر بلا شك على قوة دوره الإقليمي. فمن المنطقي أن يؤثر نزاع الصحراء على هيبتها الخارجية بوجه عام، رغم التطور الكبير الذي عرفه الملف واعتراف العديد من الدول المتقدمة بمغربية الصحراء.
اما ثالثهما فهو التحولات التي طرأت على العقل المغربي وصبت في مجملها على الاقتناع بضرورة الاهتمام بما يدور في الداخل قبل الالتفات إلى الخارج العربي وحمل همومه، باعتبار أن هذا الخارج قد استنفذ القدرات المغربية ونال منها بشكل كبير.
وتبقى كلمة واحدة هي ان الدور المغربي رغم انحساره وخفوته، يظل يحمل بريقا خاصا تجد صداه في نفوس عربية عديدة، دون أن يقلل ذلك من حتمية إعادة النظر في طبيعة هذا الدور كي يتناسب ومكانة المغرب التاريخية.

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *