الحكومة تحتج على المجتمع
في تصريح غريب لرئيس الحكومة المغربية؛أمام الحاضرين في ندوة نظمها منتدى التنمية لأطر وخبراء حزب العدالة
والتنمية حول موضوع :” المغرب وتحدي الاقلاع الرقمي”؛حيث اشار أن “تخلف المجتمع يعيق طريق المغرب نحو
التحول الرقمي”؛ الغرابة في هذا التصريح هو تحميل المجتمع نتيجة الاعاقة في التحول الرقمي؛ بينما المسؤول الأول
عن هذه الاعاقة هي الحكومة؛ كما أضاف أيضا : “أن التخلف الموجود في المجتمع؛ الذي تتساكن فيه ثقافة تقليدية
وثقافة حديثة؛ولا يوجد بينهما توازن لكي نندمج في المجتمع المعاصر” ؛ الغريب في هذا الكلام الموجه لمنتسبي حزبه؛
أن حزبه وهو يقود هذه الحكومة لولايتين متتاليتين؛لم يقدم استراتيجية واضحة حول هذا التحول الرقمي الذي ينشده
للمغرب؛كما أن وزرائه لا يبدو عليهم أنهم مدركون لهذا الامر؛أو أنهم على علم بما يحدث من تحولات سريعة في هذا
المجال؛والدليل على ذلك أن العالم يتصارع لاحتلال الصف الاول لدخول الجيل الخامس ( 5G) لتبادل البيانات فيما بلادنا
لم تغطي بعد الوطن كاملا فيما يخص الجيل الرابع ( 4G و 4G+) وبالاحرى الجيل الخامس ولقد كشفت الجائحة هذا
الامر وأبانت عن ضعف المغرب في هذا المجال؛ حيث لاقت العديد من مناطق البلاد تعثرا في استقبال البيانات
خصوصا خلال التعليم عن بعد؛ حيث عانى التلاميذ والطلبة من تدني الصبيب بالنسبة ل ADSL أو عبر البيانات الخلوية (
données cellulaires)؛ هذا من جهة ؛ ومن جهة أخرى فحزب السيد رئيس الحكومة ثقافته تقليدية؛ ولا يمكن من
خلالها الابداع في الثقافة الحديثة من هذه الزاوية.
إن التحول الرقمي لا يتم فقط عبر التعلم؛أو التكوين ولكنه يتم أساسا عبر البنيات التحتية من لاقطات للإشارات وما الى
ذلك؛فبناء هذه البنيات التحتية لنقل البيانات الرقمية يتطلب مالا كثيرا؛ ويتطلب استثمارا ضخما كما يتطلب تحضيرا ثقافيا
واجتماعيا؛هل شركات الاتصال ببلادنا في مستوى هذا التحضير وفي مستوى بناء اساسيات التطور الرقمي المنتظر؛لقد
تابعنا الحرب التي أعلنها الرئيس الامريكي الحالي على الصين في هذا المجال؛ نظرا لعدم قدرة امريكا على مجاراة
الصين في هذه التكنولوجيا المتطورة؛وذلك حينما تبين أن احدى الشركات الصينية أصبحت رائدة في هذا المجال؛
وتقدمت على الاقل بعشر سنين عن امريكا وأوروبا؛وهو ما أزعج الرئيس الامريكي واتهم الشركة بالتجسس.
نحن لا نرى مسؤولية المجتمع في اعاقة المغرب للتحول الرقمي؛بقدر ما نرى أن كلام السيد رئيس الحكومة هو فقط
من باب الهروب الى الامام؛لأننا ندرك جيدا أن استعمال التكنولوجيا الرقمية والتعامل معها من طرف المستخدمين لا
يتطلب الكثير من الجهد؛ ولعل أبرز دليل على ذلك تعامل العديد من المواطنين مع هذه التكنولوجيا الرقمية خلال
الجائحة؛سواء عبر التعليم عن بعد أو عبر التعامل مع الصناديق الاوتوماتيكية للأبناك.
عكس ما أشار اليه السيد رئيس الحكومة متوجها الى المجتمع؛يبدو لنا أن الحكومة هي التي لا زالت متخلفة بهذا
الشأن؛ولم تتقدم درجة إلى الأمام كما هي بعض الدول العربية؛ حتى لا نقارن بالدول الغربية؛ العديد من الدول العربية
قطعت أشواطًا كبيرة في استعمال الخدمات الرقمية؛بينما لا زال المغرب يتعثر؛فمثلا على مستوى الاداءات؛ سواء في
الادارات العمومية أو الاسواق الكبرى لا زلنا نتعامل مع النقود عوض استعمال الهواتف الذكية؛ في الادارات العمومية لا
زلنا نؤدي واجبات البطاقة الوطنية للتعريف أو رخصة السياقة أو جواز السفر أو الاستحقاق الضريبي …بالنقود فيما دولا
كثيرا تعتمد على الهواتف الذكية وبعضها على البطاقة البنكية والتي أصبحت متجاوزة اليوم في كثير من الدول حتى
العربية منها؛ لماذا لا زلنا نستعمل التمبر في العديد من الاستخلاصات؛ وهي طريقة تقليدية قديمة جدا؛ لماذا الشبابيك
الاوتوماتيكية للأبناك ببلادنا تكتفي فقط بتوزيع الاوراق البنكية؟ فيما في دول أخرى؛ غير المغرب هذه الشبابيك لها
امكانيات أخرى؛ مثل وضع الاموال في الحسابات سواء نقدا أو عبر الشيكات؛ وغيرها من المعاملات البنكية؛ هذه فقط
بعض الامثلة في التعاملات الرقمية بالنسبة للأبناك؛ والمجال هنا واسع على امتداد الادارات العمومية أو الخصوصية لا
يسعنا المجال للحديث عنها؛ وقد نخصص لها مقالا قادما بالتفصيل؛هل المجتمع هو السبب أم الحكومة؟ من له ثقافة
تقليدية اذن الحكومة أم المجتمع؟
يمكن لرئيس الحكومة أن يقول مثل هذا الكلام اذا كانت الحكومة اعتمدت التعامل الرقمي ولم يسايره المجتمع؛أما
والحكومة لا زالت متخلفة في هذا المجال؛ لا يحق لها أن تتهرب من الواقع و تنسب تخلفها الى المجتمع.