إقليم سطات بين التهميش والانتظار: من يُعيد السياسة إلى الخريطة؟

إقليم سطات بين التهميش والانتظار: من يُعيد السياسة إلى الخريطة؟
بقلم: سعيد حفيظي

 

في كل موسم انتخابي، يُستدعى إقليم سطات إلى واجهة الخطاب السياسي باعتباره رقماً ثقيلاً في معادلة الاستحقاقات: إقليم مترامي الأطراف، غني ديمغرافياً، متنوع جغرافياً، شديد الحساسية انتخابياً. ومع ذلك، حين تنفض الحملات الانتخابية خيامها، يعود الإقليم إلى عادته القديمة: نسيانٌ رسميّ، وتهميشٌ تنمويّ، وركودٌ سياسيّ لا يعكس حجمه ولا تاريخه ولا طموحات سكانه.
سطات، التي تُعدّ بوابة المغرب العميق، لا تعاني فقط من خصاص في البنيات التحتية أو ضعف في الخدمات، بل من تراكم سياسي مزمن أفرز نخبة محلية تحترف تدبير “الانتظارية”، وتعيد إنتاج ذاتها بنفس الأدوات والوجوه والممارسات.
جغرافيا بلا عدالة عندما تُدبَّر الأرض بمنطق الزبونية يمتد إقليم سطات على مساحة شاسعة، تحتضن العشرات من الجماعات القروية والحضرية، من البروج إلى ابن أحمد، من أولاد سعيد إلى أولاد بوزيري، ومن سيدي حجاج إلى سيدي العايدي. هذه الامتدادات، بدل أن تكون عنصر قوة تنموية، تحوّلت إلى عبء بسبب غياب تصور مجالي مندمج يُعيد التوازن بين المركز (مدينة سطات) والهامش (الجماعات المحيطة).
العدالة المجالية غائبة، فبينما تعرف بعض الجماعات الحضرية مشاريع محدودة، تعيش الجماعات القروية في وضعية فقرٍ بنيويّ: مدارس متهالكة، مراكز صحية مغلقة، غياب الماء الصالح للشرب، وانعدام فرص الشغل. ومع ذلك، فإن هذه الجماعات تُستغل انتخابيًا عبر شبكات محلية تحتكم إلى الولاءات لا إلى البرامج، وإلى الزبونية لا إلى الكفاءة.
الأحزاب تعد آلات انتخابية معطوبة بينما المشهد الحزبي في إقليم سطات يُشبه إلى حد بعيد حلبة سباق بدون متفرجين. تتصارع فيه أحزاب تقليدية على المقاعد، لا على الأفكار. تُستعمل فيه الموارد والمواقع، لا للتمكين المجتمعي، بل لضمان “النجاة السياسية”. فتحوّل السياسي إلى “مقاول أصوات”، والمواطن إلى مجرد رقم في معادلة الصعود إلى البرلمان أو المجالس.
التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، حزب الاستقلال… كلها أحزاب حاضرة بقوة في الإقليم، لكنها غائبة عن وجدان الناس. فهي لا تُمثّل مشروعًا مجتمعيًا، بل مصالح آنية، تُدار غالبًا من “فوق”، ولا تستند إلى دينامية قاعدية أو تواصل حقيقي مع هموم الساكنة.
أما الأحزاب ذات التوجه الإصلاحي أو ذات الخلفية اليسارية، فهي تُعاني التهميش وضعف التنظيم، إن لم نقل إنها تخلت طواعية عن الإقليم، وتركته في يد “كبار الناخبين” والمقاولين السياسيين.
الشباب والهوامش: وعي يتكوّن في الظل ،ورغم كل هذا الركود، فسطات ليست ميتة سياسيًا. في الهوامش، في المقاهي، في الصفحات الفيسبوكية المحلية، في مجموعات “الواتساب” بين شباب القرى، يتشكل وعي جديد، ساخر، غاضب، ورافض لمنطق “السياسة القديمة”. إنه وعيٌ لا يزال خارج التنظيم، لكنه في عمقه يُشكّل رفضًا صريحًا لأسلوب التدبير القائم على التواطؤ بين المنتخبين والإدارة، وعلى تقاسم المصالح بدل تقاسم المسؤولية.
الشباب في سطات لا ينتظر من الأحزاب شيئًا. وهذا أخطر ما في الأمر. فحين تنسحب الفئة الأكثر حيوية من العمل العام، تتفسخ الروح الجماعية، ويتحول الوطن إلى متفرّقعات ترابية تنتظر الشرارة.
العامل الجديد: محمد حبوها… ما بعد البيروقراطية؟
تعيين محمد حبوها عاملاً على إقليم سطات في بداية 2025 أعاد شيئًا من الأمل في أن تكون هناك إرادة للإصلاح من داخل الإدارة الترابية. الرجل، بخبرته في بركان ونهجه الأمني-الاجتماعي، يُعرف بصرامته وانخراطه الميداني. لكن سُكان سطات، بخبرتهم مع الدولة، لا يثقون في الوعود ولا في “النيّات الحسنة”. ما ينتظرونه هو تحوّل ملموس، تنميةٌ تراها العين قبل أن تسمعها الأذن.
حبوها اليوم أمام اختبار عسير: كيف يوازن بين منطق السلطة ومنطق المصلحة العامة؟ كيف يتعامل مع مجالس أغلبها تُدار كضيعات انتخابية؟ وكيف يفتح حوارًا حقيقيًا مع المجتمع المدني الذي يُقصى عمدًا من المشهد؟
انتخابات 2026: لحظة الحقيقة، إلكقليم سطات اليوم أمام مفترق طرق سياسي. فإما أن تتحول انتخابات 2026 إلى مناسبة لتصحيح المسار، من خلال دخول وجوه جديدة للمشهد، وإعادة توزيع الخريطة الانتخابية على أساس الكفاءة والنزاهة، لا الولاء والمصالح، وإما أن تكون محطة إضافية في مسلسل الاستهزاء بعقول الناس.

المواطن لم يعد غافلًا. هو يراقب بصمت، لكنه لم يعد يمنح صوته بسهولة. كثيرون يفضلون العزوف، وكثيرون يرغبون في المشاركة إن رأوا أملًا. والفرق بينهما مرهون بمدى قدرة الأحزاب والمجتمع والدولة على تقديم عرض سياسي جديد، أخلاقي قبل أن يكون انتخابي.
من الهامش تبدأ المعركة سطات ليست مجرد إقليم منسيّ، بل مختبر حقيقي لفهم اختلالات المغرب العميق. إنها مرآة لبلد يعيش التناقضات: بين الخطاب والممارسة، بين الإمكانات والنتائج، بين الطموحات والواقع. وإذا لم تتحوّل هذه الرقعة الواسعة إلى نموذج للعدالة المجالية والفعالية السياسية، فلن يتحقق أي تحول ديمقراطي على الصعيد الوطني.
من سطات، يمكن أن تبدأ شرارة التغيير… أو يُعلن رسمياً موت السياسة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *