أنتم وأنتم

أنتم وأنتم
عمر الخيراوي

أنتم :
من أعطاكم الحق في منعنا من حب الجمال ؟
ألم يقل الرسول الكريم إن الله جميل يحب الجمال ؟
لماذا تطلبون منا الامتناع عن الفرح والسعادة ؟
وأن نملأ الحياة التي منحنا إياها خالق الكون بالحزن والأسى فقط ؟
وكيف افترضتم حصولكم منا على وكالة للتفكير والتقرير بدلنا ؟
من منحكم تفويض حثنا على تغييب الألباب والعقول ؟
والامتثال لفتاويكم الغبية التي لا ترى في الإنسان إلا ما هو تحت الحزام فحسب !
لماذا تحاولون إشعارنا بأننا مجرمون لمجرد أننا موجودون في هذا الكون ؟
وتسوموننا بارتكاب ذنوب لأنكم قررتم وحدكم أنها كذلك !
فأنتم تحللون وتحرمون وكأنكم رسل مبعوثون أو أنبياء معصومون !
من سمح لكم بالتدخل في خصوصيات حياتنا لتشيروا علينا في أمورنا ؟
كل كلامكم تهديد ووعيد، وخطبكم موشحة بالسواد، ولا تبث إلا الحقد والكراهية …
ألا تعلمون أننا رضعنا تعاليم ديننا الحنيف من أثداء أمهاتنا !
وأن أجدادنا وآباءنا أرشدونا بالحكمة والموعظة لعظمة هذا الدين …
وعلمونا ألا نكذب ولا نسرق ولا نأتي الفاحشة ونرحم من في الأرض ليرحمنا من في السماء !
فكبرنا وصرنا رجالا نؤمن بالمبادئ والأخلاق، نسعى للسعادة في الدنيا والآخرة !
نفرح في موضع الفرح، ولكننا نغضب أيضا إذا تم المس بمعتقداتنا ومقدساتنا !
نجادل بالتي هي أحسن ونقبل الحوار والإقناع والاقتناع بالحجة والدليل !
لا نبخس الناس أفكارهم بتحوير الكلام وفهم النصوص بعقلية جامدة متحجرة !
ألا تعلموا أن أغنية واحدة لماهر زين بالقيتارة وباقي آلات النفخ والوتر التي تحرمونها تجذب الشباب للدين والتمسك بتعاليمه أكثر من شَقْشَقَتِكُم الجوفاء المعتمدة على التخويف والترهيب !
فمن خطابكم اشمئزت النفوس ونفرت العقول، ومنه خلقت الوحوش التي تفتك باسم الدين…
وكفروا بعضكم بعضا كما تشاؤون، ودعونا وإسلامنا السمح الوسطي المعتدل…
فقبل مجيئكم كان أجدادنا يشهدون لله بالوحدانية ولرسوله الكريم بصدق الرسالة ومصداقية التبليغ !
وكانوا يصلون ويزكون ويصومون ويحجون ويعتمرون !
وكانوا يستفتون قَلوبهم ليجدوا الْبِرّ في ما اطمأنت إلَيه نفوسهم ولو أفتَاهم الناس !
وسلموا المشعل لآبائنا، وتلقيناه منهم وسرنا على نفس النهج القويم، وعليه ربينا ذريتنا !
واعلموا إذا أننا نرفض خزعبلاتكم التي تهتم بالقشور وتنفر من جوهر وأساس المعتقد !
فارحلوا عنا أيها الدهالقة الفاشلون، فقد سئمناكم، ولا تسرقوا منا أعمارنا وحيواتنا !

أما أنتم :
فارسموا وصوروا ما تشاؤون، وامخروا عباب المخورات، وهيموا في دروب الخطيئة كما تبتغون !
وانسلخوا من جلد الأدب الراقي، واهجروا الأسلوب البلاغي الجميل، وشوهوا الصور الهادفة الرائعة !
والبسوا ثوب المعصية والفساد، وتحلوا بأكاليل الرذيلة وأشواك الفضيحة، وتعطروا بأزهار الشر!
فتلك رموز من بيوتكم المملوءة بالكفر والبغي والفجور، ترتادها العاهرات والشواذ والمخنثون !
ولذلك فأنتم بما في إنائكم تنضحون، ولا نبخسكم حقكم في العيش وسط العفن والوسخ كما تشتهون !
إلا أننا نحذر عليكم أن تحطوا من قدر بيوتنا، وتلصقوا بها صور الذل والعار، وترددوا باسمها ترانيم الفحشاء والمنكر !
فبيوتنا يتلى فيها القرآن، وتقام فيها الصلوات جماعة، وتكبر لله آناء الليل وأطراف النهار !
فابعدوا عنا عفنكم الذي تسمونه فنا، فلستم منا ولسنا منكم !
وطبلوا وزمروا لأسيادكم كما يحلو لكم، ولكن لا تستوردوا لنا منهم تلاوين قبحهم ونسائم قذارتهم وتسوموننا بها !
فبلدنا ليس موطنا للفسوق والمجون، كما تزعمون وكما تصورون !
ونساؤنا منذ الأزل نساء محصنات قانتات ذوات صيانة ودين…
فهذه الملكة الأمازيغية البطلة الملقبة في المصادر العربية بالكاهنة الداهية البربرية، والتي عرفت بشدة بأسها وقوتها فقاومت الرومان والبيزنطيين وهزمتهم في أكثر من موقع، كما تصدت للجيوش العربية فانتصرت على القائد العربي حسان بن النعمان، وحكمت وطنها مدة عشر سنوات. وقد أعجب الكتاب الغربيون ببطولاتها فكتبوا عنها روايات تخليدا لشجاعتها وبسالتها، ومنها “رواية الكاهنة حسب الكتابات العربية القديمة”، للكاتبة ماكالي بوازنار. (1)
وكنزة الأوْرَبية، ابنة زعيم قبيلة أوْرَبة الأمازيغية، وزوجة المولى إدريس الأول العلوي الفار من بطش العباسيين. والتي لعبت دورا هاما في إرساء قواعد الدولة الإدريسية، خاصة بعد وفاة زوجها إدريس الأول حيث أظهرت تفوقا كبيرا في حسن الإعداد لابنها إدريس الثاني ليتحمل مقاليد حكم الدولة.
أما زينب النفزاوية، فقد كانت سندا قويا لزوجها يوسف بن تاشفين مؤسس الدولة المرابطية.
وفاطمة الفهرية، التي تدعى بأم البنين، مؤسسة جامع القرويين بمدينة فاس. وخناتة بنت بكار زوجة المولى إسماعيل مؤسس مدينة مكناس، وزينب ابنة عبد المومن الموحدي التي شهد لها الكل بحصافة الرأي وتمكنها من علم الكلام وأصول الدين. وتميمة بنت يوسف بن تاشفين، المكناة بأم طلحة، والتي عرفت برجاحة عقلها ومهارتها في مجال التدبير لشؤونها المادية. والأميرة المرينية للا عودة الزناتية التي إستطاعت أن تكون سفيرة وديبلوماسية في إسطامبول عاصمة الدولة العثمانية التركية أيام السلطان أبي سالم المريني.
وفي الحقبة الاستعمارية برزت نساء مناضلات مقاومات، ومنهن: رحمة البهلولية التي كان منزلها مقرا سريا يؤوي المناضلين الذين كانوا يعقدون فيه اجتماعاتهم. وما قدمته لهم من مساعدات في نقل الأسلحة التي كان يغنمها المقاومون من الغارات التي كانوا يشنونها على الثكنات العسكرية. ويطو زوجة موحا أوحمو الزياني، التي غيرت زوجها من خاضع للقوات الفرنسية إلى بطل شرس قهر الفرنسيين وانتصر عليهم في معركة “الهري” الشهيرة. وعدجو موح نموذج المرأة العطاوية التي شاركت بفعالية في معركة “بوغافر” بجبال صفرو فقاومت الجيوش الفرنسية سنة 1933 وقاتلت ببسالة حتى استشهدت. وأخت البطل محمد الحراز التي شاركت في قتال الأسبان بالريف وتمكنت من اغتيال ضابط إسباني سنة 1927. والمقاومة فاما التي انتقلت من المقاومة في سبيل الوطن إلى الانخراط في العمل السياسي بعد الاستقلال. والتي رزئت في أشقائها السبعة على يد المعمر الذي أذاقها ورفاق دربها في النضال والمقاومة صنوف التعذيب، والتي ثارت على استبداد الاستعمار وعلى الجهل وإقصاء المرأة من الانخراط في النضال والمقاومة. وهي واحدة من مؤسسي حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959، وشاركت في المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي في يناير من سنة 1975. كما ساهمت في تأسيس القطاع النسائي الاتحادي، وشاركت في التجارب الانتخابية سنتي 1976 و1977، لتغير مسار أنشطتها إلى العمل الجمعوي دفاعا عن حقوق المرأة في الجمعيات النسائية، فكانت بذلك نموذجا للمرأة المناضلة رمزا للقوة والصلابة والعمل الإنساني والملتزمة بمبادئ حقوق الإنسان.
وفي العصر الحديث السيدة أمينة الصنهاجي السطاتية أول عالمة عربية مسلمة في وكالة نازا للأبحاث الفضائية بولاية فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية. وثريا الشاوي أول امرأة ربان طائرة في العالم العربي الاسلامي. ونوال المتوكل، أول عربية مسلمة تفوز بميدالية ذهبية في الألعاب الأولمبية، والدكتورة حسناء الشناوي، أول عربية مسلمة تحصل على جائزة في علم النيازك.
فوا عجبي لمن يَدَع مثل هذه الباقات، وهي فيض من غيض، والتي لا زال أريجها يعطر ربوع الوطن، ويذهب للبحث عن الروائح الكريهة لبائعات الهوى وأشباه الرجال.


(1)- Magali Boisnard : Le roman de la kahena d’après les anciens textes arabes.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *