أزلو محمد يكتب: قرار منع ذبح إناث الأغنام: خطوة لإنقاذ الثروة الحيوانية أم هروب من جذور الأزمة؟

بين قيد القانون وصوت الطبيعة، تأتي قرارات الحكومات أحيانًا كصفحات في رواية لم تكتمل، تحمل بين سطورها أملًا خافتًا ومخاوف متصاعدة. هكذا كان قرار وزارتي الداخلية والفلاحة القاضي بمنع ذبح إناث الأغنام والماعز ابتداءً من 19 مارس 2025 وحتى نهاية مارس 2026. قرار يحمل في ظاهره رسائل الأمان، وفي عمقه أسئلة لا تنتهي.
من قلب الأزمات الاقتصادية التي تخنق الأسواق ومن رحم معاناة المواطن البسيط، وُلد هذا القرار ليكون محاولة لضبط إيقاع السوق وحماية القدرة الشرائية. لكنه، كما يبدو للكثيرين، ليس سوى ضمادة صغيرة على جرح غائر. ففي مدينة مثل الدار البيضاء، تُذبح يوميًا ما يقارب 1500 خروفة، وفقًا لما صرح به هشام الجوابري، الكاتب العام الجهوي لفيدرالية منتجي اللحوم الحمراء بجهة الدار البيضاء سطات. هذا الرقم وحده يكفي لإثارة تساؤلات حقيقية حول مدى استدامة موارد الثروة الحيوانية في ظل الطلب المتزايد والمضاربة المستشرية.
إن قرار منع ذبح الإناث جاء كخطوة لحماية القطيع، لكنه لا يسبر أغوار المشكلة الحقيقية: لماذا أصبحت معدلات الذبح بهذا الحجم الهائل؟ وهل يكفي المنع وحده لإصلاح ما أفسدته سنوات من الإهمال وسوء التدبير؟
إن الحديث عن المضاربة في قطاع اللحوم الحمراء ليس جديدًا، بل هو جزء من مشهد اقتصادي مشوه تتصارع فيه المصالح الفردية على حساب المصلحة العامة. فمع كل أزمة اقتصادية، يجد المواطن نفسه أمام ارتفاع جنوني في أسعار اللحوم، يقابله انخفاض في القدرة الشرائية. وفي خضم هذا الصراع، تنزف الثروة الحيوانية في صمت، إذ يتم ذبح الإناث بشكل عشوائي، غير مكترثين بما يعنيه ذلك من استنزاف للمستقبل.
وفي هذا السياق، يتساءل المواطن البسيط: هل سيؤدي هذا القرار إلى خفض الأسعار فعلًا؟ أم أنه مجرد محاولة لامتصاص غضب الشارع دون تقديم حلول جذرية؟ إن منع ذبح الإناث قد يبطئ نزيف القطيع، لكنه لن يعالج الفوضى العارمة في الأسواق، ولن يوقف جشع المضاربين الذين يواصلون استغلال الأزمات لتحقيق أرباحهم.
لطالما شكلت الثروة الحيوانية جزءًا أساسيًا من الهوية الاقتصادية والثقافية للمجتمعات الريفية. فهي ليست مجرد مصدر للحوم والألبان، بل هي جزء من تراث طويل من التعايش بين الإنسان والطبيعة. ومع ذلك، فإن سوء الإدارة وقصر النظر يهددان هذا الإرث بالضياع.
في الماضي، كانت القرى تفتخر بقطعانها، التي كانت تُعتبر رمزًا للغنى والاستقرار. أما اليوم، فقد أصبحت الثروة الحيوانية عبئًا على الفلاح الصغير، الذي يجد نفسه عاجزًا عن توفير العلف بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج. وفي ظل هذه الظروف، يصبح ذبح الإناث الخيار الوحيد أمام الكثيرين لتخفيف الأعباء المالية.
لكن، إذا استمر هذا الوضع، فإن المستقبل لن يحمل سوى المزيد من الأزمات. فبدون إناث القطيع، لن يكون هناك تكاثر كافٍ للحفاظ على أعداد الماشية. وبدون دعم حقيقي للفلاحين، ستستمر دورة الاستنزاف بلا نهاية.
إن معالجة أزمة الثروة الحيوانية تتطلب أكثر من مجرد قرارات مؤقتة. فبدلًا من الاكتفاء بمنع ذبح الإناث، يجب اتخاذ خطوات جادة لدعم الفلاحين وتشجيع تربية الماشية. ومن بين هذه الخطوات:
1. تقديم دعم مباشر للمربين: من خلال توفير الأعلاف بأسعار مدعمة وضمان وصولها إلى الفلاحين دون تدخل المضاربين.
2. إنشاء برامج للتوعية: تُركز على أهمية الحفاظ على الثروة الحيوانية وضرورة التوازن بين الإنتاج والاستهلاك.
3. تشديد الرقابة على الأسواق: للحد من المضاربة وضمان استقرار الأسعار.
4. تعزيز الاستثمار في القطاع الزراعي: من خلال توفير القروض الميسرة وتحفيز الشباب على العمل في تربية الماشية.
إن قرار منع ذبح إناث الأغنام والماعز، رغم أهميته الظاهرة، يظل خطوة في طريق طويل وشائك. فهو يعكس محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنه يثير في الوقت نفسه تساؤلات حول جدية السياسات العامة في مواجهة الأزمات. هل يكفي هذا القرار لإعادة التوازن إلى السوق وإنقاذ الثروة الحيوانية؟ أم أنه مجرد حل مؤقت في انتظار تفاقم الأوضاع؟
في نهاية المطاف، يبقى المواطن هو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة المعقدة. وبينما يتأمل البعض هذا القرار كنافذة أمل، يراه آخرون كغيمة عابرة في سماء ملبدة بالغيوم. فهل ستشرق شمس الحقيقة يومًا ما، أم أن الظلام سيبقى سيد المشهد؟