أزلو محمد يكتب: داء السل معركة الصحة العمومية التي لا تحتمل التأجيل

أزلو محمد يكتب: داء السل معركة الصحة العمومية التي لا تحتمل التأجيل

في ظل تصاعد التحديات الصحية التي تواجهها المجتمعات المعاصرة، يبرز داء السل كواحد من أكثر الأمراض تهديدًا للحياة، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص الخدمات الطبية والبنية التحتية الصحية. وفي هذا السياق، أطلقت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة نداءً عاجلاً إلى وزارة الصحة والحماية الاجتماعية لاتخاذ إجراءات مستعجلة لتوفير أدوية داء السل بجميع المراكز الاستشفائية. هذا النداء لم يكن مجرد تحذير عابر، بل هو صرخة استغاثة تعكس حجم الخطر الذي يهدد حياة الآلاف من المواطنين، لا سيما في القرى النائية والمناطق المهمشة.

داء السل ليس مجرد مرض يصيب الجهاز التنفسي، بل هو انعكاس لواقع اجتماعي واقتصادي معقد. إنه مرض يزدهر في بيئات تعاني من الفقر وسوء التغذية وضعف الرعاية الصحية. وبينما يعتقد البعض أن هذا المرض قد أصبح من الماضي في ظل التطور الطبي المعاصر، إلا أن الحقيقة المؤلمة هي أن السل ما زال يشكل تهديداً جسيماً، خاصة في الدول النامية. بل وأكثر من ذلك، فإن ظهور “السل المقاوم للأدوية” يجعل من مواجهته تحدياً مضاعفاً، حيث يصبح العلاج أكثر تعقيداً وأقل فعالية، مما يضع المرضى في دائرة مفرغة من الألم والمعاناة.

إن الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، من خلال دعوتها الأخيرة، وضعت إصبعها على أحد أكبر الجروح المفتوحة في النظام الصحي المغربي. فقد دعت بوضوح إلى ضرورة توفير الأدوية الأساسية لمكافحة هذا المرض في جميع المراكز الصحية، وخصوصاً تلك الواقعة في القرى والمناطق النائية. ولكن القضية لا تتوقف عند توفير الأدوية فحسب، بل تتطلب تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة السل والسل المقاوم للأدوية، وهي استراتيجية تتطلب تدخلات شاملة تشمل التشخيص المبكر، والعلاج الفعّال، وتحسين البنية التحتية الصحية، والتوعية العامة.

وفي هذه الاستراتيجية، يجب أن يكون هناك تركيز خاص على المناطق النائية، حيث تكون الخدمات الصحية غالباً شبه معدومة. فهذه المناطق ليست فقط الأكثر تضرراً من المرض، بل تواجه أيضاً تحديات إضافية مثل الفقر المدقع وصعوبة الوصول إلى الرعاية الطبية. ومن هنا، فإن أي تأخير في تنفيذ هذه الاستراتيجية يعرض حياة الآلاف للخطر، ويزيد من معاناة الأسر التي تفقد أحبائها بسبب مرض يمكن الوقاية منه وعلاجه.

إن الحديث عن داء السل في المغرب لا يمكن أن يكتمل دون الإشارة إلى القرى النائية، تلك المناطق التي تعيش على هامش الزمن، حيث تبدو الحياة وكأنها متوقفة. في هذه القرى، يصبح المرض مأساة مضاعفة. فالمرضى غالباً ما يضطرون لقطع مسافات طويلة للوصول إلى أقرب مركز صحي، وإذا وصلوا، يجدون أنفسهم أمام نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية. إنهم يواجهون المرض بأسلحة بالية، بينما يتفاقم الألم في أجسادهم بلا رحمة.

وفي هذه المناطق، يصبح المرض أكثر من مجرد حالة طبية. إنه مأساة إنسانية واجتماعية، حيث تتأثر العائلات بأكملها. الأطفال يفقدون آباءهم وأمهاتهم، والعمال يتركون حقولهم ومصادر رزقهم، والمجتمع بأسره يدخل في دوامة من الفقر واليأس.

إذا كان داء السل بحد ذاته يشكل تحدياً، فإن السل المقاوم للأدوية يمثل تهديداً أكبر. هذا النوع من المرض ينشأ نتيجة إساءة استخدام المضادات الحيوية أو عدم استكمال العلاج بطريقة صحيحة. وعندما يصبح المرض مقاوماً للأدوية، تتحول رحلة العلاج إلى كابوس طويل ومكلف، مع نتائج غير مضمونة. إن انتشار هذا النوع من السل في المغرب يشكل جرس إنذار يدعو إلى تحرك فوري، ليس فقط من جانب الحكومة، بل من جانب المجتمع بأسره.

إن مواجهة داء السل تتطلب إرادة سياسية قوية، واستثمارات مالية كبيرة، وتعاوناً بين مختلف القطاعات. ومن بين الحلول التي يمكن أن تكون فعالة:

1. توفير الأدوية بشكل مستدام: يجب أن تكون أدوية السل متوفرة في جميع المراكز الصحية، خاصة في المناطق النائية.
2. تعزيز التوعية العامة: يجب نشر الوعي حول أهمية التشخيص المبكر والعلاج الكامل، مع التأكيد على خطورة السل المقاوم للأدوية.
3. تحسين البنية التحتية الصحية: يجب بناء وتجهيز مراكز صحية في القرى النائية، مع توفير الكوادر الطبية المدربة.
4. التعاون الدولي: يمكن الاستفادة من الخبرات الدولية والدعم المالي في مكافحة هذا المرض.

على الرغم من التحديات الكبيرة، يبقى الأمل موجوداً. فمكافحة داء السل ليست مستحيلة، لكنها تتطلب تكاتف الجهود وتوحيد الإرادة. إن حياة الآلاف من المواطنين، خاصة في القرى النائية، تعتمد على قرارات اليوم. فهل ستتحرك الجهات المسؤولة بسرعة وحزم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ أم أن هذا المرض سيستمر في حصد الأرواح بصمت؟ إن الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل الصحة العمومية في المغرب، وستكون شاهداً على مدى التزامنا بحماية الحق في الحياة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *