طلوع يكتب… بحاجةٍ إلى حراكٍ رياضيٍّ سطاتي
سطات ليست مجرد مدينة عابرة في الخريطة، بل ذاكرة رياضية ونَفَس نضالي وثقافي طويل. مدينةٌ صنعت الأبطال كما تصنع الأرض خصوبتها، وقدمت للمغرب أسماءً حملت القميص الوطني بجدارة، وتركت بصمتها في الوجدان الجماعي، سطات لم تكن يوماً مدينةً هامشية في الرياضة، بل كانت مصنعاً للمواهب وفضاءً يُنجب الطموح ويعيد إنتاج الأمل.
يكفي أن نستحضر خالد رغيب، أحد أبرز اللاعبين الذين ساهموا في تأهيل المنتخب الوطني إلى مونديال فرنسا 1998، لنفهم حجم العطاء الذي قدّمته هذه الأرض. ونستحضر معه الحارس إدريس بن زكري، الذي وقف بثبات في شباك الفرق الوطنية، مجسداً صورة اللاعب السطاتي الذي لا يساوم في الانتماء.
ولا يمكن المرور دون ذكر عائلة الركبي التي أنجبت أسماءً متعددة تركت أثراً واضحاً في الرياضة الوطنية. ثم هناك الغيادي، وفاكر، والأسطورة قاسم السليماني… أسماءٌ تتوالى كأن المدينة كتابٌ رياضيٌّ مفتوح، صفحاته مكتوبة بالعرق والموهبة والنضال.
هذه المدينة لم تكن فقط رياضية، بل كانت أيضاً فضاءً للحركة الثقافية والفكرية والنضالية، جامعةً لطلابها ومثقفيها وروادها. ولذلك يبدو السؤال مؤلماً: كيف لمدينة بهذا التاريخ أن تصبح اليوم مدينةً خارج السياق الرياضي؟
الواقع اليوم صادم:
الرياضة في سطات ماتت.
أُغلقت الأبواب، تراجعت الفرق، واختفت المشاريع.
نهضة سطات، التي كانت رمزاً من رموز المدينة، انهارت إلى الأقسام السفلى، كجسدٍ يتآكل بصمت. وفي مقابل هذا الانحدار، وُلد فريق جديد هو النسمة الرياضية السطاتية، فريق شاب يحمل الأمل، لكنه محاصر بواقع قاسٍ: أزمات مالية خانقة، غياب دعم، انعدام بنية تحتية، ولامبالاة رسمية خانقة.
المشهد يبدو وكأن سطات مستهدفة…
مدينة تُحرم من الملاعب كما تُحرم الشجرة من الماء، رغم أنها أنجبت جيلاً بعد جيل من الأبطال.
الأزمة ليست أزمة فرق فقط، بل أزمة غياب غيورين، وغياب رؤية، وغياب إرادة سياسية محلية. والسلطات، بكل أسف، لا تحرك ساكناً، وكأن الرياضة ليست جزءاً من كرامة المدينة.
الضحية الأولى والأخيرة هو الجمهور السطاتي. جمهور ضائع، انقسم بين تشجيع الوداد والرجاء لأن مدينته لم تعد تقدّم له فريقاً يحمي انتماءه. الجمهور الذي كان يملأ المدرجات، أصبح اليوم مجبراً على تبنّي فرق من خارج مدينته، فقط لأنه لم يجد من يصون ذاكرة سطات الرياضية.
فإلى متى هذا السبات؟
إلى متى هذا الظلم في حق مدينةٍ أعطت الكثير ولم تتلقَّ إلا التجاهل؟
كيف يمكن أن يشجع صاحب الجلالة الرياضة ويعتبرها رافعة للتنمية، بينما تظل سطات خارج هذا الورش، بلا بنية تحتية، بلا دعم، بلا مبادرة؟
إن سطات اليوم بحاجة إلى حراك رياضي سطاتي، حراك يعيد ترتيب البيت من الداخل، يجمع الغيورين، يطالب بالحق، ويعيد للمدينة مكانتها.
فمدينة بهذا التاريخ لا تُهمَّش…
ومواهب بهذا العمق لا تُدفن…
وذاكرة بهذا الحجم لا يجب أن تُنسى.
إن سطات تستحق أن تعود للركض.
وتستحق أن تعود مدينةً تصنع الأبطال.
بقلم: طلوع عبدالإله – باحث في العلوم السياسية وقضايا الشباب

