النسمة الرياضية السطاتية… كرة بلا أرض ومدينة بلا صوت: قراءة موسعة في مباراة التعادل أمام النواصر

النسمة الرياضية السطاتية… كرة بلا أرض ومدينة بلا صوت: قراءة موسعة في مباراة التعادل أمام النواصر

لم تكن مباراة نسمة سطات أمام فريق النواصر مجرد مواجهة كروية عابرة تنتهي بصافرة الحكم، بل كانت صورة مكثفة لواقع مدينة بأكملها، مدينة تبحث عن متنفس رياضي تحفظ من خلاله شيئاً من ذاكرة الأمجاد التي صنعتها عبر عقود.
فالتعادل بنتيجة (2/2) داخل الميدان كان حدثاً رياضياً في حد ذاته، لكنه سرعان ما تحوّل إلى مرآةٍ لعرض ما هو أعمق: الإهمال، غياب البنية التحتية، ومظلومية فريق يحارب على أكثر من جبهة.

بدأت المقابلة بنَفَس قوي، وربما كان هذا أفضل أداء لنسمة سطات منذ بداية الموسم، الروح القتالية ظهرت واضحة منذ الدقائق الأولى، مما جعل الجمهور يشعر أن الفريق عاد ليحارب بقلب مفتوح.
التقدم بهدفين دون رد كان مستحقاً، بل جاء تتويجاً لضغط عالٍ ولحضور بدني وتكتيكي محترم، الهدف الأول جاء بتوقيع ياسين الترس من ضربة خطأ، نفذها بلمسة ساحرة تؤكد أن الفريق يملك مواهب حقيقية قادرة على صنع الفارق حتى في أحلك الظروف.

لم يمض وقت طويل حتى تمكن عبد العالي فروغة من إضافة الهدف الثاني بضربة رأسية مركزة، أعادت إلى الأذهان قيمة اللاعب المحلي الذي يلعب بروح المدينة وليس فقط بقميص الفريق، لحظات قليلة كانت كافية لتشعل المدرجات، وتعيد نبض الفرح إلى مدينة اعتادت أن تفرح قليلاً وتُقهَر كثيراً.

لكن كرة القدم لا تعترف بالشاعرية، وقد عرف النواصر كيف يستغل الثغرات ويعود تدريجياً إلى المباراة، خاصة في ظل انهيار بدني نسبي لنسمة سطات. هدفان أنهيا حلم الفوز، لكنهما لم ينزعا الاحترام عن أداء لاعبي الفريق.
كنا أمام خصم صعب، خصم لم يأت ليكتفي بالدفاع، بل ليحاول العودة بالنقاط الثلاث، وهو ما يجعل التعادل في حد ذاته نتيجة يمكن تقبلها فنياً… لو كانت الظروف طبيعية.

غير أن الظروف ليست طبيعية. التحكيم أصبح عبئاً إضافياً، بل صار جزءاً من المعاناة الأسبوعية. أصبحت المظلومية التحكيمية مشهداً اعتيادياً داخل سطات: هدف صحيح بنسبة 100٪ ألغي بداعي التسلل، وركلة جزاء واضحة ارتُكبت على كريم بوزيان لم تُحتسب.
هذا ليس سوء تقدير عابر، بل تراكم أخطاء يجعل الفريق يدخل المباراة وهو يعرف مسبقاً أنه سيقاتل ضد خصمين: المنافس… والحكم.

لكن إذا كان التحكيم جزءاً من المشكلة، فإن أرضية الملعب الكارثية هي المشكلة الكبرى التي لم يعد السكوت عنها مقبولاً.
كيف لفريق يريد المنافسة أن يلعب فوق عشب متآكل، وحفر مفتوحة، وتربة تقتل البناء الهجومي قبل أن تقتل الكرة؟ ما حدث في المباراة لا يمكن فصله عن الأرضية: انزلاقات، كرات غير مضبوطة، ارتباك في التمرير، إصابات محتملة… إنها ليست أرضية ملعب؛ إنها مساحة مهجورة تصلح لكل شيء إلا كرة القدم.

وهنا تطرح مدينة سطات سؤالها الصريح: أين البنية التحتية الرياضية؟ أين الملاعب التي تعكس قيمة مدينة أنجبت خلال عقود أكبر الأسماء في الكرة الوطنية؟ سطات التي خرج منها لاعبون دوّنوا أسماءهم بحروف ذهبية، تعيش اليوم مفارقة مؤلمة: مدينة تهب المغرب أسماء كبيرة، لكنها لا تجد من يدافع عن حقها في ملعب يحترم تاريخها.

غياب المنتخبين، غياب الغيرة، وغياب رؤية حقيقية لتطوير الرياضة المحلية جعلوا المدينة اليوم في وضع لا يليق بها. الفرق تصارع فوق أرضية غير صالحة، الشباب يهاجر إلى مدن أخرى بحثاً عن فضاء رياضي، والملاعب الموجودة تفتقر لأبسط شروط الجودة. لا تكفي اللافتات ولا التصريحات، المطلوب أوراش حقيقية تعيد الاعتبار لوسطات الرياضية.

ومع ذلك، ورغم كل هذا الإحباط، خرجت النسمة من مباراة النواصر برأس مرفوع، الأداء يتحسن، المجموعة أكثر انسجاماً، واللاعبون يقاتلون بغيرة وبشرف.
فالفريق لا ينقصه الرجال ولا الشغف؛ ما ينقصه هو العدالة… وعدّتنا: ملعب يليق بنا، تحكيم منصف، ومسؤولون يدافعون بجدية عن مصالح المدينة.

اليوم، حين يقال إن مباراة النواصر كانت أفضل مباراة منذ بداية الموسم، فلا يعود الفضل فقط للأداء، بل للحقيقة التي ظهرت مجدداً: نسمة سطات ليست فريقاً ضعيفاً، بل فريقاً قوياً تُسقطه الظروف، وتؤلمه التفاصيل، وتؤخره بنية تحتية لا تنتمي إلى 2025. لكن طالما بقي الجمهور وفياً، واللاعبون مقاتلين، فستظل النسمة رمزاً لمدينة تستحق أكثر بكثير مما يُقدَّم لها.

في انتظار أن تستفيق الجهات المسؤولة، سيواصل الفريق اللعب… وسنواصل نحن الانتظار، على أمل أن تأتي مباراة قريبة تؤكد أن سطات مدينة تليق بتاريخها، وأن كرة القدم فيها يجب أن تُلعب على أرض… لا على جرح.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *