الجيش و”ريمونتادا ناقصة”

الجيش و”ريمونتادا ناقصة”
مجلة 24 - إلياس الحرفوي

في مسار متعرج نحو المجد القاري، خرج فريق الجيش الملكي لكرة القدم من دوري أبطال أفريقيا أمام بيراميدز المصري، بعد رحلة مليئة بالتحديات والأحلام التي اصطدمت بواقع مرير. ورغم الأداء البطولي الذي قدمه الفريق في مباراة الإياب على أرضه في الملعب الشرفي بمكناس، إلا أن الخسارة الثقيلة في الذهاب جعلت حلم “الريمونتادا” بعيد المنال. وبينما حاول الجيش الملكي بكل ما أوتي من قوة أن يحقق المستحيل، كانت هناك عوامل فنية وإدارية قد أثرت بشكل مباشر على مسار الفريق، مما جعل الإقصاء حتميا.

مباراة الإياب في مكناس كانت على صفيح ساخن، وسط أجواء مشحونة بالغضب والأمل. الجماهير العريضة التي حجت من مختلف المدن كانت تنتظر ردة فعل قوية تعيد لها بعضا من كبرياء الهزيمة. اللاعبون بدورهم كانوا يدركون حجم الضغط، فحاولوا الارتقاء إلى مستوى التطلعات رغم التوتر الكبير المحيط بهم. الطاقم التقني والإداري كذلك كان يعيش تحت وطأة التوقعات، ما جعل اللقاء محملا بأبعاد تتجاوز المستطيل الأخضر.

وبينما كانت الأجواء محتقنة بشدة، خاصة بعد تصرفات نادي بيراميدز في مباراة الذهاب، وعلى رأسها منع جماهير فريق الجيش الملكي من الدخول إلى الملعب، نجح الفريق في تحويل تلك الشحنة العاطفية إلى طاقة إيجابية دفعته لمحاولة تحقيق المعجزة، لكن الحظ لم يكن حليف العساكر. ورغم الأداء القتالي الذي بصم عليه الفريق، إلا أن اللمسة الأخيرة كانت غائبة. الجيش الملكي خلق العديد من الفرص وأظهر رغبة كبيرة في العودة، لكن التسرع وغياب التركيز في الثلث الأخير من الملعب، إلى جانب بعض القرارات الفردية الخاطئة، حالت دون تسجيل الهدف الحاسم الذي كان سينعش آمال التأهل.

لكن الإقصاء لا يمكن ربطه فقط بسيناريو مباراة الإياب، بل هو نتيجة تراكمات اختلط فيها الفني بالإداري. فريق الجيش الملكي عانى هذا الموسم من تغييرات مستمرة في الجهاز الفني، ما أثر سلبا على استقرار الفريق وتناسقه. المدرب أليكساندر سانتوس لم يجد الوقت الكافي لفرض بصمته بشكل كامل، وبدا الفريق في أوقات كثيرة وكأنه لا يتحرك كوحدة متجانسة. الإدارة بدورها لم توفّر البدائل الكافية بعد رحيل عدد من الركائز في المواسم الأخيرة. في منافسة مثل دوري أبطال أفريقيا، لا يكفي الاعتماد على الأسماء المحلية أو المواهب الصاعدة فقط، بل لا بد من وجود لاعبين ذوي خبرة ونجاعة في المحطات الحاسمة، وهو ما افتقده الفريق في عدة مراكز، خاصة في الدفاع والهجوم.

غياب الاستقرار الفني ظل العائق الأكبر أمام طموح فريق الجيش الملكي القاري. الفريق وجد نفسه في دوامة من التغييرات، سواء على مستوى الطاقم التقني أو التشكيلة الأساسية، ما أثر على الانسجام الداخلي وأفقده القدرة على بناء أداء جماعي مستدام. في الوقت الذي كانت فيه فرق أخرى تشتغل على الثبات، كان الجيش يبحث عن توازن ضائع.

كما أن الفريق عانى من غياب ملعبه الرسمي، الأمير مولاي عبد الله بالرباط، الذي يخضع للإصلاح والتأهيل في إطار الاستعدادات التي تقوم بها المملكة لاحتضان كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030. هذا الوضع دفع الجيش الملكي إلى خوض مبارياته في ملاعب بديلة، ما أثر على استقراره الذهني والبدني، وحرم لاعبيه من الدعم الكامل لجماهيرهم في ملعبهم المعتاد، وهو عنصر حاسم في مثل هذه المواجهات الكبرى.

ورغم كل ذلك، لا يمكن إغفال الروح القتالية التي أبان عنها الفريق في لقاء الإياب. صحيح أن المهمة كانت صعبة، وربما مستحيلة، لكن رد الفعل القوي أعاد جزءا من الهيبة، وأظهر أن المشروع قابل للتطور إن توفرت الشروط المناسبة.

الإقصاء كان قاسيا، لكنه درس. درس في أهمية الاستقرار، والتخطيط طويل المدى، والاستثمار في الجودة بدل الترقيع. وإذا أراد فريق الجيش الملكي أن يعود إلى الواجهة القارية، فعليه أن يبدأ من الآن في بناء منظومة قوية، إدارية وتقنية، قادرة على المنافسة في أعتى المحافل الأفريقية. لأن المجد لا يأتي بالحماس وحده، بل بالاستمرارية والرؤية الواضحة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *