إغلاق مستشفى السل بابن أحمد عندما يُختزل الحق في الصحة في قرار إداري

إغلاق مستشفى السل بابن أحمد عندما يُختزل الحق في الصحة في قرار إداري
بقلم: سعيد حفيظي

في قلب مدينة ابن أحمد، وفي صمت ثقيل كمرض السل ذاته، أُغلق مستشفى كان لسنوات ملاذًا للمرضى من مختلف أقاليم جهة الدار البيضاء-سطات، لا سيما إقليمي سطات وبرشيد. مستشفى الأمراض الصدرية، أو كما يسميه سكان المنطقة “مستشفى السل”، أغلق أبوابه، وترك وراءه أسئلة محرجة عن مصير الصحة العمومية، وحقوق المواطنين في العلاج، ومعنى “الدولة الاجتماعية” التي بشر بها الخطاب الرسمي.
لم يكن المستشفى مجرد بناية متهالكة، بل كان مؤسسة صحية متخصصة، تركز على محاربة أحد أكثر الأمراض تفشيًا وسط الفئات الهشة: داء السل. خلال سنوات اشتغاله، استقبل المستشفى الآلاف من المرضى، وقدم خدمات استشفائية حيوية في منطقة تُعاني أصلًا من نقصٍ مهول في البنيات الصحية، وندرة الأطر الطبية، وعزلة جغرافية ترهق جيوب الساكنة.

لكن، بدل تأهيله وتجهيزه ليواكب تطور الداء واحتياجات السكان، تُرك المستشفى لمصيره. الإهمال طال كل شيء: من البنية التحتية إلى الأدوية، ومن التغذية إلى الموارد البشرية. وهكذا، لم يكن الإغلاق مفاجئًا بقدر ما كان نتيجة طبيعية لسلسلة من القرارات غير المفهومة.
السلطة الإقليمية، ومعها وزارة الصحة، برّرت قرار الإغلاق بـ”الوضعية المزرية” للمستشفى، وصعوبة تأهيله في ظل محدودية الموارد. لكن، من المسؤول عن تدهور وضعيته؟ أليس هذا من صميم مسؤولية الدولة في تدبير الشأن الصحي المحلي؟ لماذا لم يتم إطلاق مشروع لإعادة تأهيل المستشفى بدل دفنه؟ وهل أُخذت آراء المجتمع المدني والساكنة في الاعتبار قبل اتخاذ القرار؟
أمام كل هذه التساؤلات، يكتفي المسؤولون بالصمت أو التصريحات العامة، في حين يدفع المواطن ثمن سياسة صحية تتعامل مع المرضى كأرقام، لا كذوات لها الحق في العلاج الكريم.
أول ما يترتب عن إغلاق المستشفى هو تفاقم معاناة المرضى المصابين بالسل، الذين سيُجبرون الآن على التنقل إلى مستشفيات بعيدة، في سطات أو الدار البيضاء. وهذا التنقل ليس سهلاً ولا متاحًا للجميع، خاصة في ظل الفقر والبطالة، وغياب وسائل نقل لائقة. بل هناك من سيتوقف عن العلاج تمامًا، مما سيؤدي إلى تفشي المرض بشكل خطير، ويهدد الصحة العامة.
الأخطر من ذلك، أن غلق هذا المرفق الصحي يُعزز الإحساس العام بالتهميش والإقصاء لدى سكان مدينة ابن أحمد والمناطق المجاورة. فالصحة ليست مجرد علاج، بل مؤشر على مدى احترام الدولة لكرامة الإنسان، وعلى مدى جديتها في تنزيل “ورش الحماية الاجتماعية” على أرض الواقع، لا على الورق فقط.
إذا كان لا بد من إغلاق المستشفى – وهو أمر مشكوك فيه – فإن المنطق يُحتّم أن يُواكَب القرار بحلول بديلة: مركز صحي مؤهل، وحدات متنقلة لمحاربة السل، أو على الأقل برنامج جهوي يحمي المصابين من التشرد الصحي. أما أن يُغلق الباب، وتُقفل معه ملفات مرضى في أمسّ الحاجة للعلاج، فذلك قرار غير إنساني، ويُعيدنا سنوات إلى الوراء في محاربة الأمراض الفتاكة.
ما وقع في ابن أحمد ليس حالة معزولة، بل هو تجلٍ صارخ لاختلالات المنظومة الصحية في المغرب، التي تواصل – رغم الشعارات – إنتاج الإقصاء الطبي والاجتماعي. ومهما كانت التبريرات، يبقى من غير المقبول أن يُغلق مستشفى دون محاسبة، ودون توفير بدائل، ودون الاستماع لصوت الساكنة.
الصحة ليست رفاهية، ولا امتيازًا. إنها حق دستوري، ومسؤولية دولة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *