مجلس النواب يؤجل مناقشة مشروع قانون الإضراب لهذه الأسباب
تم، اليوم الأربعاء، تأجيل مناقشة مشروع القانون التنظيمي للإضراب، داخل لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، بعدما قوبلت إحالته على اللجنة بالرفض من قبل الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
وأعلن رئيس لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، اليوم الأربعاء، بأن الاجتماع الذي كان مقررا عقده اليوم الأربعاء 23 أكتوبر 2024 على الساعة العاشرة والنصف صباحا، بحضور وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، المخصص للمناقشة التفصيلية لمواد مشروع قانون تنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسـة حق الإضراب، قد تم تأجيله إلى موعد لاحق.
وأوضح رئيس اللجنة أن قرار التأجيل جاء بطلب من الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية، والفريق الحركي، وفريق التقدم والاشتراكية والمجموعة النيابية للعدالة والتنمية.
وكانت نقابتا الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، قد احتجتا على إحالة الحكومة مشروع القانون الخاص بتنظيم الإضراب، على لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب من أجل المناقشة التفصيلية.
وأكدت النقابتان أن قرار الإحالة يعتبر إخلالا بالتزام الحكومة في اتفاق أبريل الماضي، بمناقشة مشروع القانون في جلسات الحوار الاجتماعي من أجل التوصل إلى توافق حول مضامينه.
وواصلت الحكومة التشاور مع النقابات المركزية، يوم الجمعة 13 شتنبر 2024، بخصوص مشروع القانون التنظيمي المتعلق بممارسة حق الإضراب، بلقاء عقده وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس سكوري، مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية.
وأكد الوزير أن الاجتماعات التشاورية تهدف إلى تحديد الحد الأدنى للخدمة وكيفية ممارسة عدد من الاختصاصات ذات العلاقة بممارسة الإضراب، وضمان حق الإضراب وفق مساطر معقولة، مؤكدا أن الحكومة تأخذ بعين الاعتبار آراء المؤسسات الاستشارية، لاسيما المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، قد أعطى رأيه في مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وسجل ملاحظات عديدة، منها ما يتعلق بالنقط العالقة التي برزت سواء خلال مناقشة المشروع مع الأطراف المعنية وأيضا خلال تقديمه بمجلس النواب، معتبرا أنه يتوجب مراجعة المشروع على مستوى الشكل والمضمون.
وأكد المجلس على أنه يتعين مراجعة بنود مشروع القانون التنظيمي للإضراب، مشددا على ضرورة أن ينسجم مع المرجعية الدستورية والالتزامات الدولية ويُرسي الأمن القانوني والحقوقي ويضمن توازن المصالح.
ويرى المجلس أن تقنين ممارسة حق الإضراب يجب أن يُعتبر أولا وأساسا مشروعا مجتمعيا يتطلب التشاور الواسع والتوصل إلى توافقات بناءة، مع إشراك جميع الأطراف المعنية ليعكس القانون مصالح فئات المجتمع ككل، مضيفا أن مشروع القانون يجب أن يُحقق التوازن بين حق الإضراب في إطار الحرية النقابية وحرية العمل، وأن يجيب عن إكراهات المقاولة وحسن سير المرفق العمومي.
كما أبرز المجلس أن مشروع القانون عليه تقنين الحق في ممارسة الإضراب لجميع الفئات التي تتمتع بحق الانتماء النقابي وتنظيم كافة أشكال الإضراب، ويُعطي الأولوية للحوار والتفاوض وتعزيز الحوار الاجتماعي، وأن يتفادى التنصيص على العقوبات السالبة للحرية ومراعاة الممارسات الإيجابية المتجذرة والتجارب العملية للمملكة.
وكانت أول ملاحظة للمجلس تتعلق بمفهوم الإضراب، والذي يُعرفه مشروع القانون التنظيمي بأنه “كل توقف جماعي عن العمل يتم بصفة مدبرة ولمدة محددة، من أجل الدفاع عن حق الحقوق أو مصلحة من المصالح الاجتماعية أو الاقتصادية المباشرة للأجراء المضربين”، وبحسب المجلس التعريف “يطرح إشكالات متعددة”.
وسبق لوزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري، أن أكد على ضرورة الانتقال بالتعريف من “اللائحة السلبية” (يُمنع، يُمنع…) إلى “اللائحة الإيجابية”.
ويرى المجلس في رأيه أنه تم حصر ممارسة هذا الحق في الأجراء دون غيرهم من الفئات الاجتماعية الأخرى، وهو ما يعارض مقتضى الدستور، كما أنه لم يُحدد المقصود من “المصلحة الاجتماعية والاقتصادية المباشرة”، ولم يُحدد المقصود من “الأهداف السياسية” ولم يُميز هذه الأهداف عن الإضرابات التي قد تكون موجهة ضد بعض اختيارات السياسات العمومية.
وسجل المجلس أن مشروع القانون التنظيمي حدد الفئات التي يمكنها الإضراب في المأجورين في إطار القطاعين العام والخاص، وهو ما يعني أنه بصيغته الحالية يقصي الفئات الأخرى غير المأجورة والمستقلين والمهنيين وغيرهم.
وأوصى المجلس بإعادة النظر في تعريف الإضراب مما يستلزم مراجعة المشروع برمته، ليتدارك على الخصوص ضم جميع الفئات المهنية.
النقطة المتعلقة بـ”الجهة الداعية للإضراب” كانت من النقط التي دعت النقابات المركزية إلى الحسم فيها، ومن جانبه دعا الوزير الفرقاء السياسيين إلى الاجتهاد لتحديدها في النقاشات التفصيلية المرتقبة.
وفي هذا الإطار، حصر مشروع القانون (في المادة 3) حق الدعوة للإضراب في النقابة الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني (في القطاعين العام والخاص) وفي النقابة الأكثر تمثيلا على صعيد المقاولة أو المؤسسة أو المرفق العمومي المعني. ويرى المجلس أن الاقتصار على نقابة العمال كهيئة وحيدة لها الحق يحرم هيئات وفئات اجتماعية أخرى كالنقابات والجمعيات المهنية.
ويرى المجلس أن اشتراط حضور ¾ أجراء المقاولة أو المؤسسة واتخاذ قرار الإضراب من قبل الجمع العام بالأغلبية المطلقة (المادة 16) يعتبر “شرطا تعجيزيا لأنه يصعب تحقيقه في المؤسسات التي تشغل عددا كبيرا من الأجراء وتتوفر على فروع في مدن مختلفة”، كما أن “التجارب الدولية تبين أن نسبة المشاركة في الإضراب تظل في غالب الأحيان بعيدة عن إجماع الأجراء”.
لذلك يقترح المجلس التنصيص على أن لكل المنظمات النقابية والجمعيات المعنية المؤسسة والمعترف بها قانونيا الحق في الدعوة إلى الإضراب متى توفرت لها التمثيلية، مع مراجعة كل الإشكالات المتعلقة بالتمثيلية ومعاييرها في القطاعين العام والخاص.
كما سجل المجلس ملاحظات أخرى حول المادة 3 المتعلق بالجهة الداعية للإضراب، إذ يشير مشروع القانون التنظيمي إلى أن “المرافق الحيوية” هي “المرافق التي تقدم خدمات أساسية والتي من شأن توقف العمل بها كليا أو جزئيا أن يعرض حياة الأشخاص صحتهم وسلامتهم للخطر”، غير أن المجلس رأى أن تسمية هذه المرافق دون تمييز بين القطاعين العام والخاص من شأنه حرمان أجراء من ممارسة حقهم في الإضراب.
وتشير المادة نفسها إلى أن “الحد الأدنى من الخدمة” هي “قدر كاف من الخدمات الأساسية يجب تأمينه لضمان استمرارية تقديمها للمرتفقين في حالة ممارسة الإضراب”، إلا أن المجلس اعتبر أن هذا “قد يقيد شرائح واسعة من الأجراء والمستخدمين في ممارسة حق الإضراب”.
وبخصوص الفئات الممنوعة من الإضراب، تنص المادة 33 من مشروع القانون التنظيمي على منع عدة فئات من الموظفين العموميين، ويوصي المجلس بتحديد النص التشريعي بوضوح وإلى أضيق حد ممكن فئات الموظفين العموميين الذين يتم تقييد حقهم في الإضراب.
وقال الوزير السكوري، خلال تقديم المشروع بمجلس النواب، إن النقابات لا تريد تحديد آجال الإضراب وأن على الفرقاء السياسيين مناقشة هذه النقطة لتحديدها بدقة. وفي هذا الصدد، ينص مشروع القانون التنظيمي على أنه “لا يمكن اللجوء إلى ممارسة حق الإضراب إلا بعد انصرام أجل 30 يوما من تاريخ توصل المشغل بالملف المطلبي من الجهة التي يمكن لها الدعوة إلى الإضراب” (المادة 7). وأن الجهة الداعية للإضراب يجب أن تدعو إل الجمع العام للأجراء قبل 15 يوما من انعقاده (المادة 16)، ويجب تبليغ المشغل بالإضراب 15 يوما قبل خوضه (المادة 18) وأن يتم إخبار السلطات الحكومية بقرار الإضراب 7 أيام قبل التاريخ (المادة 32).
غير أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يرى أن المدة لا يمكن أن تتم إلا بعد مرور 30 يوما من تاريخ إبلاغ المشغل بالمطالب من الجهة المخولة بالدعوة للإضراب، مؤكدا أن هذه المدد المحددة رغم أنها تهدف إلى منع التسرع في اتخاذ قرار الإضراب وتوفير فرصة للمفاوضات والوساطة، إلا أنها “طويلة بشكل عام ولا تفرق بين القطاعات والمرافق والخدمات بناء على أهميتها وحيويتها وخصوصياتها، ولا تأخذ بعين الاعتبار الحالات الطارئة أو حالات الخطر”.