المغرب و إسبانيا : مد وجزر في علاقات ديبلوماسية وسياسية و اقتصادية تمتد لعقود من الزمن

المغرب و إسبانيا : مد وجزر في علاقات ديبلوماسية وسياسية و اقتصادية تمتد لعقود من الزمن
مكتب تطوان : محمد عزوز

 

على إثر الاحداث الأخيرة التي عرفتها المناطق المغربية المحادية بمدينتي سبتة و مليلية المحتلتين ، والتي جاءت على خلفية استقبال إسبانيا لزعيم جبهة البوليساريو على أراضيها بهوية مزورة للعلاج، فقد عرفت العلاقات المغربية الإسبانية نوعا من الاهتزاز والجمود والتصعيد في المواقف الدبلوماسية، وهو ما يدفعنا إلى الحديث عن علاقة بين دولتين جارتين تمتد لقرون من الزمن، ولها أبعاد وتراكمات تاريخية وثقافية واقتصادية عميقة جدا ، فقد تواجد المغرب في إسبانيا سياسيا وعسكريا واستعمرت إسبانيا المغرب لعقود من الزمن ، وهذا الوضع خلف تمازجا في الثقافات والتصورات وحتى البنى الفكرية والاقتصادية والاجتماعية بين دولة تقع في أقصى شمال أفريقيا و دولة أخرى تقع في أقصى جنوب أروبا ، يفصل بينهما مضيق جبل طارق كممر استراتيجي على المستوى الدولي ، انتهى الاستعمار الإسباني بشمال المغرب في أواخر الخمسينيات لكن لم ينتهي احتلال إسباني لمدينتين مغربيتين والجزر الجعفرية في نفس الموقع الجغرافي الذي شهد أكبر مقاومة عسكرية و أشرسها لمقاومة الغزو الإسباني والفرنسي انتهت بجريمة قصف أهل الريف من طرف الجيش الاستعماري الإسباني بالغازات الكيماوية السامة كإحدى أكبر الجرائم الإنسانية التي ارتكبها الاستعمار في شمال افريقيا.

يعد حدث المسيرة الخضراء لسنة 1975 التي دعا إليها الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله ، أول احتكاك واختبار حقيقي للسلطات الإسبانية من طرف المغرب بعد الاستقلال، لكن المناخ الدولي الذي كان سائدا آنذاك والوضع الداخلي لإسبانيا في تلك المرحلة ، أرغم القوات الإسبانية على الانسحاب والتراجع وتوقيع اتفاقية سلم مع المغرب أعطت الضوء الأخضر لفرض السيادة المغربية على منطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب بعد ذلك ، رغم أن ملف الصحراء ظل دائما من القضايا المثيرة للجدل في العلاقات المغربية الإسبانية الى حدود اليوم ، ومع وصول الاشتراكيين إلى الحكم في مرحلة الثمانينات سجل نوع من التطور والاستقرار والتعاون في العلاقة بين الدولتين ، قبل أن يتطور في بداية التسعينات إلى تعاون أمني واقتصادي وثقافي في إطار ملفات التنمية والهجرة والصيد البحري وتعاون شمال / جنوب ، ستنضاف إلى هذه الملفات بعد ذلك مكافحة هجرة الأفارقة والتصدي لشبكات الإرهاب عبر التنسيق الأمني والمعلوماتي في مجموعة من الاتفاقيات بين الدولتين من جهة ، وبين المغرب والاتحاد الاوروبي من جهة ثانية ، لكن مع رحيل الملك الحسن الثاني و تولي ملك شاب عرش المغرب وصعود الاشتراكيين للحكومة المغربية ، وذلك بموازاة مع صعود الحزب الشعبي اليميني إلى الحكومة الإسبانية ، ومع تصعيد الموقف المغربي في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي خصوصا في اتفاقية الصيد البحري في المياه المغربية، سيختار الإسبان هذه المرة الدخول في حملة ديبلوماسية وسياسية وإعلامية قوية ضد الجار الجنوبي ، وصلت إلى اعتبار المغرب دولة مصدرة الإرهاب والهجرة وشبكات الاتجار الدولي في البشر والمخدرات ، هذا المناخ من التصعيد سيصل ذروته في صيف 2002 بمناسبة أزمة جزيرة ثورة ، حيث قامت السلطات الإسبانية باعتقال جنود من فوق الجزيرة و إزاحة العلم المغربي في خطوة استفزازية غير مسبوقة ، وهو ما أدى إلى اندلاع أزمة سياسية خطيرة بين البلدين اللذين اصبحا على مشارف مواجهة عسكرية لولا تدخل الولايات المتحدة في خطوة ديبلوماسية مستعجلة ساهمت في اطفاء فتيل وبوادر اكبر أزمة ديبلوماسية وسياسية بين المغرب واسبانيا في بداية القرن الواحد والعشرين .

لكن بعد وصول الاشتراكيين إلى الحكم في إسبانيا سنة 2004 ، سيقع تحول عميق واستراتيجي في العلاقة بين الدولتين بل وشهدت هذه المرحلة انفراجا في العلاقات على جميع المستويات ، وسارعت حكومة ساتيرو الى تسوية الوضعية القانونية لمئات المهاجرين المغاربة الذين كان يقيمون على الأراضي الإسبانية بشكل غير قانوني ، كما فتحت صفحة جديدة من التعاون بين البلدين على المستوى الاقتصادي والثقافي والأمني في أفق شراكة استراتيجية عميقة بين البلدين ، هذه الشراكة لم تفقد نسبة من فعاليتها إلا مع الأزمة الاقتصادية والمالية الحادة التي ضربت إسبانيا مع بداية سنة 2008 والتي انعكست على الدينامية الاقتصادية التي كانت تعرفها اسبانيا واستفاد منها الشمال المغربي بشكل ملموس لسنوات .

رغم ذلك استمر التعاون الاستراتيجي بين المغرب وإسبانيا رغم وجود ملفات حارقة كانت تعيق مرارا استمرار العلاقة بشكل طبيعي وعلى رأسها ملفات : سبتة و مليلية ، الهجرة ، المخدرات ، ملف الصحراء …لكن التحولات السياسية التي سيعرفها المشهد السياسي بشبه الجزيرة الأيبيرية ، خصوصا ظهور حزب بوديموس اليساري المتبني مرارا اطروحات الانفصاليين في الصحراء من جهة ، وميلاد حركة ” فوكس” الحزب اليميني المتطرف المناهض لحقوق المهاجرين المغاربة والطائفة الإسلامية فوق التراب الاسباني ، هذه التحولات ستخلط الأوراق السياسية بإسبانيا وسترخي بظلالها على العلاقات المغربية الإسبانية ، بل وستشكل قوة ضغط إضافية على الموقف الرسمي الإسباني من قضايا مثل الصحراء وملف سبتة ومليلية والهجرة والأوضاع الحقوقية في معابر باب سبتة وبني نصار…، تسارع الأحداث سيؤدي إلى إغلاق معبر باب سبتة في وجه السيارات والراجلين ، سيتخذ المغرب قرارا بمنع التهريب نحو المغرب ، تصادف وتزامن هذه القرارات مع جائحة كورونا والحالة الوبائية في العالم سيصيب مجددا العلاقات المغربية الإسبانية بالجمود والشلل، تمكن المغرب من ربح نقط مهمة على المستوى الدبلوماسي خصوصا في ملف القضية الوطنية حين انتزع اعترافات دولية وازنة بعدالة قضية الصحراء، ستنضاف إلى النجاحات التي حققها المغرب على مستوى مكافحة الإرهاب على مستوى علاقته بالاتحاد الأوروبي ، أحست اسبانيا باختلال ميزان القوى جيوستراتيجي على مستوى شمال إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط ، و أن الدور السياسي والدبلوماسي للمغرب بالمنطقة سيتجاوز التدخلات الإسبانية التقليدية ، في هذه المرحلة ستدخل مرة أخرى العلاقات بين الدولتين منعطفا اخر ، خصوصا لما اختارت اسبانيا التعامل سرا مع الجار الشرقي للمغرب متغافلة للشراكة الاستراتيجية التي تربطها بالمغرب , وهو الموقف الذي دفع المغرب الى التصعيد السياسي والدبلوماسي بشكل خلط الاوراق من جديد في علاقات تاريخية تربط بين دولتين تربطهما قواسم مشتركة و روابط عميقة على مستوى التاريخ والجغرافية والاقتصاد والثقافة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *