واحات المغرب على شفير الإندثار : صرخة الطبيعة و المجتمعات ضد الجفاف و التخلي

تمثل الواحات المغربية منذ قرون إمتدادًا طبيعيًا و إنسانيًا يتماهى فيه جمال البيئة و روح الأصالة، إلا أن هذا التراث الثمين بات مهددًا بالزوال بفعل تراكم أزمات متعددة تنذر بانقراض نمط حياة كامل، ليس لساكنيه فحسب، بل لكل من يعتمد على هذه المساحات كنموذج للتوازن بين الإنسان و الطبيعة.
التغير المناخي يحتل رأس القائمة في قائمة الأسباب التي تسرّع من تدهور الواحات؛ فدرجات الحرارة ترتفع بإستمرار، و هطول الأمطار يتراجع، و الجفاف صار أكثر شدة و تكرارًا. هذا الواقع يؤدي إلى إنخفاض كبير في منسوب المياه الجوفية، ما ينعكس مباشرة في ضعف نمو النخيل و نقص الإنتاج الزراعي، الأمر الذي يضع الزراعة التقليدية في خطر كبير.
لا يقتصر الأمر على العوامل الطبيعية؛ فقد أثَّر النشاط البشري بشكل لا يقل خطورة. الحفر العشوائي للآبار لا تراعي الإمكانيات الحقيقية للفرشة المائية، ما يساهم في إستنزافها. كذلك التوسع العمراني غير المنظم و الإستخدام غير المستدام للمياه في سياقات إستثمارية تُظهر أولية الربح على الحفظ البيئي، يُفاقمان المشكل.
الهجرة القروية عامل إضافي للضعف، إذ يغادر الشباب الواحات بحثًا عن فرص في المدن، مما يفرغ هذه المناطق من اليد العاملة التي تحافظ على الوقاية و التوازن و الإعتناء بالنخل و الحقول الصغيرة. هذا الفراغ البشري، إلى جانب ضعف البنى التحتية و الخدمات، يعمّق من الهشاشة.
رد الحكومة وبعض الهيئات الفاعلة قد بدأ : إطلاق مشاريع للإستثمار في الفلاحة الواحة، توقيع مُنَح و إتفاقيات لتحسين طرق الري و جعلها أكثر كفاءة، دعم الزراعة المقاومة للجفاف، تنفيذ مبادرات لإعادة تغذية المياه الجوفية، و تشجيع التعاونيات التي تضم نساء و شبابًا.
لكن التحدّي الحقيقي يكمن في الموازنة بين الحفاظ البيئي و التنمية الإقتصادية المحلية، و كيفية جعل السكان المحليين شركاء فاعلين في القرارات و السياسات، و ضمان إستدامة المشاريع بعيدًا عن الإستثمار الذي يستنزف دون أن يُعيد البناء.
فواحات المغرب ليست مجرد مناظر خلابة، بل هي عمود فقري لثقافة و تراث و هوية و ربط بين الأجيال؛ زوالها يعني فقدان جزء كبير من ذلك الكنز.
إذًا، إن لم يكن هناك إستنفار شامل للجهود، و تدخل ذكي من الدولة و المجتمع، فالنوايا الحسنة و المبادرات المنفصلة قد لا تكفي لوقف الإنجراف نحو موت الواحات البطيء، الذي قد لا ينقذه من يغطِّي السطح فقط، بل من يُداوي الجذور.