قسم الولادة بسطات.. صمود المولدات وتضحيات طبيبات النساء والتوليد في مواجهة الخصاص؟

قسم الولادة بسطات.. صمود المولدات وتضحيات طبيبات النساء والتوليد في مواجهة الخصاص؟
سطات : مجلة 24

يعيش قسم الولادة بالمستشفى الإقليمي الحسن الثاني بسطات دينامية جديدة، بعدما شهد في الأيام الأخيرة إعادة تنظيم داخلية همّت تغيير مواقع عدد من المولدات، وذلك في أعقاب زيارة لجنة وزارية وقفت على سير العمل. هذه الإجراءات أعادت الانضباط إلى فضاء يعتبر متنفسا أساسيا للنساء الحوامل بالمدينة والإقليم، وأعادت الثقة نسبياً في قدرات الأطر القائمة على خدمته.

ورغم ما يروَّج على مواقع التواصل الاجتماعي من انتقادات متفرقة، فإن الواقع يؤكد أن أغلب المولدات يشتغلن بضمير مهني كبير، ويتحملن أعباء العمل في ظروف صعبة تصل أحياناً إلى 24 ساعة متواصلة. هؤلاء النسوة لم يخترن المهنة بحثا عن امتيازات، بل التزمن برسالة إنسانية نبيلة تتمثل في تأمين حق أساسي للنساء وأطفالهن، في وقت يتضاعف فيه الضغط بسبب النقص الحاد في الأطر الطبية والتمريضية.

ولا يقف الخصاص عند المولدات فقط، بل يمتد إلى طبيبات النساء والتوليد اللواتي يتحملن عبئا مضاعفا، حيث يشغلن بشكل مستمر داخل القسم، في ظل غياب الدعم الكافي من باقي التخصصات. هذا الوضع يضعهن في مواجهة ضغط متواصل، ويجعل استمرار الخدمة رهينا بتضحيات شخصية بالغة.

من غير المنصف اختزال صورة القسم في ممارسات معزولة، أو تحميل المولدات والطبيبات وزر أعطاب مزمنة تتحمل الوزارة النصيب الأكبر منها. فغياب سياسة واضحة لتوزيع الموارد البشرية، واستمرار الخصاص المهول في الأطباء والمولدات، كلها عوامل تضع الأطقم في مواجهة مباشرة مع الاكتظاظ، وتجعلها ضحية بين مطرقة المواطنين وسندان قلة الإمكانيات.

وإذا كان البعض يصر على ربط النقاش بموضوع الرشوة، فلا بد من الإشارة إلى أن هذه الممارسات تبقى محدودة وغير معممة، بل إن بعض المواطنين أنفسهم يساهمون في فرضها بطرق ملتوية. لذلك فإن الإصلاح الحقيقي لا يمر عبر شيطنة العاملين، وإنما عبر تقوية آليات الحكامة، وتوفير قنوات نزيهة للتبليغ، مع تحسين بيئة الاشتغال وتقدير التضحيات اليومية التي تقوم بها المولدات والطبيبات.

إن قسم الولادة بسطات يمثل نموذجا لصمود الخدمة الصحية العمومية في وجه أعطاب هيكلية متراكمة. فالمطلوب اليوم ليس جلد الأطر العاملة، بل دعمها وتمكينها من الوسائل التي تضمن أداءها في أفضل الظروف، لأن صحة الأمهات وأرواح الأطفال ليست مجالا للمزايدات، بل أمانة جماعية تستدعي سياسة عقلانية وشجاعة من وزارة الصحة.

رفقا بالقوارير، فالقسم الذي ظل صامدا بفضل نسائه المولدات وطبيباته النساء والتوليد يحتاج إلى الاعتراف بجهودهن، وإلى قرار سياسي حازم يعيد الاعتبار للمرفق الصحي العمومي ويقيه محاولات إضعافه ودفع المواطنين قسراً نحو القطاع الخاص.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *