ساكنة تعاونيات بولعوان ضواحي الجديدة… حين يتحول العطش إلى صراع من أجل البقاء

ساكنة تعاونيات بولعوان ضواحي الجديدة… حين يتحول العطش إلى صراع من أجل البقاء
بقلم: بوشعيب نجار

 

في عمق إقليم الجديدة، وتحديدا بمنطقة تعاونيات بولعوان التابعة لجماعة بولعوان، تتوارى خلف بساط الخضرة السابق ملامح كارثة إنسانية وزراعية صامتة. أرض كانت حتى الأمس القريب تزهر قمحا وشمندرا وعنبًا دكاليًا وتينا، تحوّلت اليوم إلى مشهد جاف يختزل معاناة فلاحين صغار يقاتلون في صمت من أجل الحياة، بعد أن أغلقت في وجوههم كل صمّامات الأمل.

عيد الأضحى لم يكن هذه السنة سوى مناسبة لمعاينة حجم الانهيار. في زيارتي الأخيرة لمسقط رأسي، وقفت على حقيقة صادمة: التعاونيات التي كانت تنبض بالحياة والإنتاج توقّفت، والأبقار التي كانت تدر الحليب بيعت في أسواق اليأس، والأرض التي طالما كانت رمز العطاء باتت عطشى، تتوسل قطرة ماء.

أزمة الماء لم تعد مجرد خبر يتناقل على هامش نشرات الأخبار، بل أصبحت جرحا نازفا في قلب بولعوان. وادٍ كان يغذي الحقول تم إغلاقه، والآبار القليلة – غير المرخصة أحيانا – تحولت إلى مصدر صراع بين الجيران، حيث يرفض بعض من يملكون الماء تقاسمه، رغم العطش المشترك.

الساكنة، التي انخرطت ذات يوم في مشاريع المخطط الأخضر أملا في التنمية، وجدت نفسها فجأة في قلب عاصفة لا ترحم. الفلاح الصغير، الذي لم يعرف من الدولة سوى شعارات الدعم والتأهيل، وجد نفسه بين مطرقة الديون وسندان الجفاف. شيكات بدون رصيد، أوامر بالاعتقال، نزوح نحو المدن، وبيوت لم يبق فيها سوى نساء ينتظرن عودة الأزواج المهاجرين نحو لقمة العيش.

أمام هذا الوضع الكارثي، يبقى السؤال الحارق: أين هي الجهات الوصية؟ أين هو تدخل وزارة الفلاحة؟ وأين هي لجان اليقظة والمجالس المنتخبة؟ أليست بولعوان جزءًا من هذا الوطن الذي تغمره الندوات والمخططات الاستعجالية حين يدق الخطر أبوابه؟ كيف لعشرات الهكتارات أن تذبل أمام أعين الجميع دون تحرك فعلي ينقذ ما يمكن إنقاذه؟

ما يحدث في تعاونيات بولعوان ليس قدرًا، بل نتيجة سياسات غائبة، وقرارات لم تراع هشاشة الفلاح الصغير. فحين يتحول الماء إلى امتياز بدل أن يكون حقا، تصبح الزراعة عبئا، والحياة مجرد معركة خاسرة.

هذه ليست قصة قرية نائية فقط، بل قصة نموذج من نماذج التهميش القروي الذي يهدد التوازن الاجتماعي والاقتصادي للمغرب. بولعوان لا تطلب المستحيل، بل قطرة ماء تعيد الحياة لحقولها، ومقاربة تنموية لا تكتفي بالشعارات، بل تستمع لهموم الساكنة وتبادر بالفعل.

إن لم تتحرك الجهات المعنية الآن، فقد لا يتبقى من بولعوان سوى الذكرى، وأرض تتناقلها الرياح، دون قمح، دون حليب، دون حياة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *