المفوض القضائي بدائرة الاستئنافية الجديدة.. جندي العدالة المجهول في الميدان

المفوض القضائي بدائرة الاستئنافية الجديدة.. جندي العدالة المجهول في الميدان

بقلم : بوشعيب نجار 

في قلب دكالة الشاسع ، وفي زوايا المحاكم التي تعج بالملفات والنزاعات، يبرز دور المفوض القضائي كأحد الأعمدة الحيوية للعدالة، رغم أن الأضواء نادراً ما تسلط عليه. ورغم أنه يمارس مهنة حرة ومستقلة عن سلك الوظيفة العمومية، إلا أن المفوض القضائي يُعدُّ في الواقع شريكا فعليا للسلطة القضائية، يسهر على تنفيذ الأحكام والتبليغات، ويجوب القرى والمداشر حاملاً قرارات القضاء إلى من يعنيهم الأمر.

الفرق بين المفوض القضائي والعون القضائي ليس مجرد تصنيف إداري؛ فبينما يُعدّ العون القضائي موظفا تابعا لوزارة العدل يمارس مهامه داخل أروقة المحكمة، فإن المفوض القضائي يتحرك خارجها، ويواجه الواقع الميداني بكل ما يحمله من تحديات، بل وغالباً ما يعرض نفسه لمخاطر حقيقية في سبيل أداء واجبه.

في الدائرة الاستئنافية بالجديدة، يبرز هذا الدور بشكل خاص نظرا لامتداد المساحة الجغرافية وتنوع النسيج الاجتماعي. المفوض القضائي هنا ليس مجرد ناقل لوثائق أو منفذ لأوامر، بل هو وسيط بين المواطن والعدالة، عين المحكمة خارج جدرانها، وسيفها عندما يتعلق الأمر بتنفيذ الأحكام.

زيارة قصيرة إلى المحكمة الابتدائية بالجديدة أو إلى مكاتب المفوضين القضائيين كفيلة بأن تضعك أمام وجوه مشرقة من أبناء هذه المهنة. رجال ونساء يتحلون بالاحترام، يصغون لك بعناية، ويحرصون على خدمتك بضمير مهني عالٍ. لا نلقي عليهم الورود مجاملة، بل نسجل واقعاً ملموساً وشهادة ميدانية يعرفها الجميع: المفوض القضائي يشتغل في صمت، لكنه يترك بصمته في كل ركن من أركان العدالة.

وإن كانت العدالة لا تُقاس فقط بالأحكام الصادرة، بل أيضا بمدى تنفيذها واحترامها، فإن المفوض القضائي هو اليد التي تمتد لتُنجز هذا الجزء الجوهري من العملية القضائية. يستحق منا التقدير والتفاتة إعلامية تليق بتضحياته، فهو فعلاً جندي العدالة المجهول، الذي يسهر على تجسيد القانون على أرض الواقع.

لكن خلف هذا الوجه الظاهر، هناك أيدٍ خفية تشتغل في صمت وبضمير: كتاب المفوضين القضائيين، الفئة التي غالباً ما تُهمَّش إعلامياً ومؤسساتياً، رغم أن وقعها في سير العمل اليومي لا يقل أهمية. هؤلاء الكتاب يُعدّون السند الإداري واللوجستي للمفوض، فهم من يُعدّون المحاضر، ويُتابعون الملفات، ويُدققون في الإجراءات، ويؤمنون الربط اليومي بين المكتب والميدان.

إنهم فعلاً اليد التي تُرتب فوضى الأوراق، وتُخرج من بين الملفات صوت العدالة. ورغم التحديات وضعف الإمكانيات، إلا أن التزامهم المهني يظل حاضراً بقوة، ويستحق تسليط الضوء والتقدير.

زيارة بسيطة لمكاتب المفوضين القضائيين بالجديدة كفيلة بأن تريك الانضباط، التنظيم، ووجوها تشتغل بنَفَس طويل وإرادة قوية. هنا، لا فرق بين مفوض وكاتب، فالكل في خدمة العدالة، كلٌّ من موقعه.

وربما آن الأوان لإعادة الاعتبار لهذه الفئة، التي ظلت لسنوات خارج دوائر الاهتمام، في حين أن العدالة لا تستقيم إلا باكتمال أركانها.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *