المجلس الاقتصادي والاجتماعي يدعو إلى اعتماد مقاربة شمولية لتأهيل المقاولات الصغيرة

المجلس الاقتصادي والاجتماعي يدعو إلى اعتماد مقاربة شمولية لتأهيل المقاولات الصغيرة

كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في دراسة حديثة عن واقع مقلق للنسيج المقاولاتي المغربي، إذ أظهرت النتائج أن أكثر من 98 في المئة من المقاولات المهيكلة تصنف ضمن فئة المقاولات المتناهية الصغر والصغيرة جدا والصغرى، غير أن نموها وتطورها ما يزال شبه متوقف، ما يثير تساؤلات حول قدرتها على المساهمة الفعلية في التنمية الاقتصادية للبلاد.

وحملت الدراسة عنوان “تحديات المقاولات المتناهية الصغر والصغيرة جدا والصغرى في المغرب: النمو، التحديث والتطوير”، وأُعدت بطلب من مجلس المستشارين وصادق عليها المجلس بالإجماع في 30 يناير 2025.

وسلط التقرير الضوء على مفارقة لافتة بين الوزن العددي الكبير لهذه المقاولات وضعف مساهمتها الاقتصادية الفعلية، ما يجعلها عاجزة إلى حد كبير عن تحريك دينامية النمو في الاقتصاد الوطني.

وأكد التقرير أن هذه الفئة من المقاولات، رغم كونها العمود الفقري للاقتصاد الوطني وتوفيرها لأكثر من 56 في المئة من مناصب الشغل المصرح بها في القطاع الخاص، إلا أن أثرها في خلق القيمة والإنتاجية ما يزال دون مستوى التطلعات، وهو ما يقلص قدرتها على الإسهام في الدينامية التنموية للبلاد.

ومن أبرز المؤشرات المثيرة للقلق التي كشف عنها التقرير، أن نسبة المقاولات المتناهية الصغر التي تمكنت من الانتقال إلى فئات أكبر لم تتجاوز 0.2 في المئة بين 2017 و2022، في حين ارتفعت حالات الإفلاس والتعثر بشكل ملحوظ، إذ سُجلت سنة 2024 نحو 15 ألفاً و658 حالة، غالبيتها تخص المقاولات الصغيرة جداً، ما يعكس حالة جمود هيكلي وتهديداً للاستقرار الاقتصادي لهذه الفئة.

وعزت الدراسة هذا الوضع إلى عدة عوامل داخلية وخارجية. داخليا، أبرز التقرير ضعف الكفاءات التدبيرية والبشرية، وغياب التخطيط والابتكار، وهشاشة التمويل وضعف الرقمنة، ما يحد من قدرة هذه المقاولات على المنافسة والنمو. أما خارجيا، فتواجه المقاولات صعوبات في الولوج إلى الأسواق، سواء الوطنية أو التصديرية، ومنافسة غير مشروعة من القطاع غير المهيكل، وتعقيدات إدارية، وطول آجال الأداء، إضافة إلى عبء جبائي مرتفع يقيّد حركتها المالية.

واستناداً إلى هذه المعطيات، دعا المجلس إلى اعتماد مقاربة شمولية ومتكاملة لتأهيل المقاولات المتناهية الصغر والصغيرة جداً والصغرى، بما يضمن تطويرها داخلياً وخارجياً وتحويلها إلى رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وشملت أبرز التوصيات ما يلي:

-إصدار قانون خاص بالمقاولات الصغيرة (Small Business Act) يجمع التدابير والبرامج الموجهة لهذه الفئة ويضمن تنسيقاً فعالاً بين المؤسسات المعنية.

-وضع خطة وطنية للمواكبة غير المالية عبر تقديم خدمات استشارية وتدبيرية، ودعم التحول الرقمي والتحديث التقني.

-دمج تنمية المهارات المقاولاتية والتدبيرية في برامج التعليم والتكوين المهني لإعداد جيل جديد من رواد الأعمال.

-تطوير آليات التمويل بما يتلاءم مع احتياجات كل فئة من المقاولات، مع تبسيط المساطر لتسهيل الولوج إلى القروض والدعم المالي.

-تحسين بيئة الأعمال عبر تبسيط الإجراءات الإدارية، مكافحة الفساد، وتسريع الرقمنة لتسهيل تعامل المقاولات مع الإدارات العمومية.

-فتح الأسواق أمام المقاولات الصغيرة من خلال إدماجها في سلاسل القيمة الوطنية والدولية وتيسير مشاركتها في الصفقات العمومية.

واختتم التقرير بالتأكيد على أن إنعاش هذا القطاع الحيوي يتطلب إرادة سياسية قوية وتنسيقاً مؤسسياً محكماً، حتى تتحول المقاولات الصغيرة من كيانات هشة إلى رافعة حقيقية للنمو والتشغيل والتنمية المستدامة في المغرب، بما يعزز قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة التحديات وتحقيق التنمية الشاملة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *