الكشف عن مصير الدعم العمومي: بين تساؤلات المعارضة وصمت الحكومة

الكشف عن مصير الدعم العمومي: بين تساؤلات المعارضة وصمت الحكومة

في ظل تصاعد الجدل السياسي بالمغرب حول مصير الأموال العمومية المخصصة لدعم القطاعات الحيوية، يبرز مطلب شفافيتها كأحد القضايا الملحّة التي تُشغل الرأي العام وتؤرق المعارضة. وقد جاء خطاب محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، ليضيء على زوايا جديدة من هذا الملف، متجاوزاً حدود الشعارات السياسية ليطرح قضية جوهرية تتعلق بمصداقية الحكومة وقدرتها على إدارة المال العام بما يخدم مصالح المواطنين.

في ندوة احتضنتها مؤسسة HEM بمدينة الدار البيضاء، وبحضور قيادات حزبية من مختلف الأطياف السياسية، دعا أوزين إلى توسيع نطاق النقاش حول الدعم العمومي، مؤكداً على ضرورة تتبع أثر هذه الأموال التي تُضخ في قطاعات استراتيجية كالنقل والسكن والسياحة. وأشار إلى أن الاقتصار على قضية استيراد الأغنام واللحوم يُعدّ اختزالاً لمشكلة أعمق تتعلق بغياب الشفافية في إدارة الموارد العمومية.

وأوضح أوزين أن الحكومة قدمت 11 دفعة لدعم مهنيي النقل دون الكشف عن تفاصيل دقيقة حول كيفية توزيع هذه الأموال، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حول مصيرها الحقيقي. كما أضاف أن أزمة كورونا كشفت عن سياسات دعم غير واضحة، حيث تم تخصيص مليارات الدراهم لدعم المنشآت السياحية دون تحديد الجهات المستفيدة أو معايير الاستفادة.

ولم يغفل أوزين الحديث عن قطاع السكن، الذي شهد مؤخراً دعماً مالياً كبيراً، مشيراً إلى أن هذا القطاع يمثل جزءاً من معضلة أوسع تتطلب مراجعة شاملة لآليات توزيع الدعم.

بحسب أوزين، فإن الشكوك في مصداقية الأرقام التي تقدمها الحكومة باتت ظاهرة لا يمكن تجاهلها. ففي الوقت الذي تشير فيه الحكومة إلى نسبة تضخم تقارب 5%، تصدر تقارير متضاربة عن المندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب تُظهر أن النسبة الحقيقية بلغت 10%، فيما يرى المواطن أن تأثير التضخم على حياته اليومية قد تجاوز حدود هذه النسب بكثير، ليصل في بعض الحالات إلى ما يفوق 20%.

هذا التناقض في الأرقام يعكس، وفقاً لأوزين، غياباً واضحاً للانسجام بين المؤسسات الحكومية، ويضعف ثقة المواطنين في السياسات العمومية.

في نقده للحكومة الحالية، أشار أمين عام حزب الحركة الشعبية إلى ما وصفه بـ”هيمنة غير مسبوقة” على مختلف مؤسسات الدولة والسلط. واتهم الحكومة بإغلاق أبواب الحوار أمام المعارضة، مما يجعل العمل السياسي يبدو وكأنه مسرحية من طرف واحد، حيث تُقصى الأصوات المخالفة وتُهمَّش المقترحات البناءة.

وأكد أوزين أن المعارضة قدّمت عدداً كبيراً من المقترحات لمعالجة قضايا حيوية، إلا أن الحكومة لم تُبدِ أي تجاوب يُذكر. واعتبر أن هذا السلوك يعكس انعدام الإرادة السياسية للاستماع إلى صوت الشعب عبر نوابه وأحزابه.

في ظل هذا المشهد، لا يبدو أن المعارضة وحدها هي المسؤولة عن الضغط على الحكومة لتحقيق الشفافية. فالمواطن، الذي يدفع الضرائب ويعاني من تبعات التضخم وارتفاع الأسعار، مطالب أيضاً بأن يكون أكثر وعياً بمصير الأموال العمومية.

إن المطالبة بالكشف عن أوجه صرف الدعم الحكومي ليست مجرد قضية سياسية، بل هي حق أساسي لكل مواطن يسعى إلى حياة كريمة في ظل إدارة عادلة وشفافة.

إن الدعوة التي أطلقها محمد أوزين لتوسيع النقاش حول مصير الدعم العمومي تُعدّ دعوة لاستعادة الثقة بين المؤسسات والمواطنين. وإذا كانت الحكومة الحالية ترى في هذه المطالب مجرد ضغوط سياسية، فإن تجاهلها سيؤدي إلى تعميق الهوة بين السلطة والشعب، مما قد يُضعف الاستقرار الاجتماعي ويؤثر سلباً على التنمية الشاملة.

في نهاية المطاف، يبقى السؤال قائماً: هل ستستجيب الحكومة لدعوات الشفافية والمساءلة؟ أم أن صمتها سيُبقي هذه الملفات في طي الغموض؟ ما زال المواطن المغربي ينتظر الإجابة، لكنه بلا شك يدرك أن الوقت قد حان لتكون الأموال العمومية في خدمة الشعب، لا أداة لإثراء القلة على حساب الأغلبية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *