السياسة الرياضية في المغرب: محاولة لدراسة إشكالات التنمية، صناعة المخيال الجمعي، القوة الناعمة، رهانات التظاهرات الكبرى

تعتبر الرياضة في المغرب أداة استراتيجية متعددة الأبعاد، تتجاوز كونها مجرد منافسة أو نشاط بدني. فهي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبناء الهوية الوطنية، وصناعة المخيال الجمعي للمواطنين.
لكن السؤال الجوهري هنا: هل السياسة الرياضية في المغرب تحقق فعلاً هذه الأهداف الطموحة، أم أنها مجرد شعارات بلا استراتيجية واضحة؟
فيما يخص التنمية، كيف يمكن للرياضة أن تسهم في خلق فرص اقتصادية وتحفيز الاستثمار؟ هل البنية التحتية المتاحة كافية لدعم الفرق واللاعبين الشباب؟ وهل يتم استثمار الملاعب والمرافق الرياضية بطريقة تحقق أكبر أثر اقتصادي واجتماعي؟ سؤال آخر يطرح نفسه: هل هناك استراتيجية واضحة تربط بين التعليم، الرياضة، والتنشئة الاجتماعية لضمان استدامة النتائج؟
من زاوية المخيال الجمعي، تلعب الرياضة دورًا مهمًا في تعزيز الانتماء الوطني والشعور بالفخر الجماعي. كيف يمكن للنجاحات الرياضية، سواء على مستوى المنتخبات الوطنية أو الفرق المحلية، أن تتحول إلى رموز وطنية؟ هل الإعلام الرياضي يقوم بدوره في تحويل الإنجازات إلى رموز وطنيّة ملموسة؟ أم تظل مجرد أحداث عابرة لا تؤثر على الانتماء الوطني؟
أما فيما يخص القوة الناعمة، فالتظاهرات الكبرى تمثل أداة استراتيجية للدولة، فكيف يمكن استثمار البطولات الدولية والمحلية في تعزيز صورة المغرب دوليًا؟ وما مدى تأثير هذه الأحداث على الاقتصاد المحلي والتنمية الحضرية للمدن المضيفة؟ هل المغرب قادر على تحويل الرياضة إلى قوة ناعمة فعالة، أم أن هذا الهدف يبقى مجرد شعار إعلامي؟
على الرغم من هذه الإمكانات، تواجه السياسة الرياضية المغربية عدة إشكالات.
كيف تؤثر البيروقراطية ونقص التمويل على تطوير الرياضة القاعدية؟ هل يتم التركيز فقط على النخبة الرياضية بينما تُهمل الفئات الشبابية غير الممثلة؟ سؤال آخر يطرح نفسه: ما مدى فاعلية التنسيق بين وزارة الشباب والرياضة والجمعيات المحلية في تحقيق التنمية الرياضية الشاملة؟
التظاهرات الكبرى نفسها تطرح مجموعة من التساؤلات. هل تستثمر بشكل فعلي في التنمية الاقتصادية، أم أنها تبقى مجرد مشاريع رمزية؟ كيف يمكن ضمان الاستفادة القصوى من هذه الأحداث على المدى الطويل، سواء على مستوى الرياضة أو البنية التحتية أو الاقتصاد المحلي؟
بالإضافة إلى ذلك، يبقى التكوين البشري أحد الركائز الأساسية. هل مستوى المدربين والإداريين كافٍ لضمان نتائج رياضية ملموسة؟ وما هي الاستراتيجيات المعتمدة لتطوير الكفاءات في القطاع الرياضي؟ هل يتم دمج التعليم والتكوين التقني لتطوير اللاعبين والإداريين معًا؟
الجمهور أيضًا يشكل عنصرًا مهمًا في صناعة المخيال الجمعي، فكيف يمكن إشراك المواطنين في دعم الفرق الوطنية وتحفيز الأداء الرياضي؟ وهل هناك سياسات واضحة تجعل الرياضة تجربة جماعية تعزز الانتماء والفخر الوطني؟ سؤال آخر: هل يمكن أن يتحول الدعم الجماهيري إلى ضغط إيجابي على تطوير السياسة الرياضية الوطنية؟
أما التمويل، فيظل محورًا حساسًا. كيف يمكن تحقيق التوازن بين الاستثمار في التظاهرات الكبرى ودعم الرياضة القاعدية؟ هل الأموال المخصصة للأحداث الكبرى تحقق فعلاً عائدًا اقتصاديًا واجتماعيًا؟ وما الاستراتيجية الأمثل لضمان استدامة هذا الاستثمار؟
في ضوء كل هذه الأسئلة، يتضح أن السياسة الرياضية بالمغرب بحاجة إلى إعادة تقييم شاملة، توازن بين البنية التحتية، دعم الرياضة القاعدية، تطوير الإعلام الرياضي، واستراتيجيات القوة الناعمة. السؤال الأخير الذي يطرح نفسه: هل تمتلك الدولة القدرة على هذا التوازن في ظل التحديات الإدارية والمالية القائمة؟