افتتاحية مجلة 24 : حكومة ملوك الطوائف
مشهد السياسي اليوم، يعلن حقيقة واحدة. أن حكومتنا تتشبه بملوك الطوائف، كل وزير يدير وزارته على هواه. ألم يسبق للسيد سعد الدين العثماني أن أفادنا جهرا بأنه لا يملك أي برنامج، لما بعد جائحة كوفيد 19 . قال لها دون أن يرف له جفن.
وفي غياب كذا برنامج لدى حكومتنا، يبدو أن الانسجام بين فريق أعضائها خيط مفقود. ولهذا السبب تتعارض المواقف مع الاستراتيجيات العامة التي أعلن عليها عاهل المملكة محمد السادس في خطاب العرش الأخير، حيث رفع تحديا للخمس سنوات المقبلة، لتمتيع المواطنين بالتغطية الضحية الإجبارية وتمكين العاملين بمختلف القطاعات ولا سيما الخاصة بالحق في التقاعد والتعويض عن فقدان الشغل.
إن هذا الاتجاه الذي يستهدف تعزيز، خدمات الضمان الاجتماعي وتقويتها لاستيعاب كل الفئات الجديدة التي ستلتحق بالنظام، يقتضي تعزيز البنيات المتوافرة لمؤسسات الضمان الاجتماعي، وعلى رأسها البنيات الصحية والاستشفائية. لكن في ذات الوقت وفي هذه الظروف العصيبة، تطالعنا مركزية الاتحاد المغربي للشغل باحتجاجات قوية واستنكارات على القرار الذي هيأته السلطات العمومية الصحية الوصية، لتفويت مصحات الضمان الاجتماعي لفائدة الخواص، ورأت فيه تطاولا على منشآت صحية بنيت من مساهمات الطبقة العاملة، وتقدم خدمات صحية واستشفائية عبر مجموع جهات التراب الوطني، وبتعريفات تيسر للعاملات والعمال وذويهم الولوج والاستفادة من هذه الخدمات وتنوع العروض الصحية، في الوقت الذي تظل فيه المصحات الخاصة، تقدم خدماتها بتعريفات لا يمكن المقارنة بينها وبين مصحات الضمان الاجتماعي.
هنا نتساءل، مرة أخرى عن هذه الحكومة، التي لا تتمتع بأي حس اجتماعي، كيف لها أن تتعارض مع التوجيهات الملكية، التي تناشد القوى الحية للمجتمع والفاعلين الاجتماعيين، للانفتاح أكثر على مقاربات جديدة تجعل من الإنسان المحور والأساس للسياسات العمومية؟
ولماذا هذه الحكومة لا زالت تتشبث وبقوة، بالمقاربات التي قادت إلى النتائج الكارثية على تطور مؤشرات النمو بالبلاد، ولم تعلن بعد عن إرادة قوية وجديدة لتجاوز الاختلالات المسجلة؟
من الصعب تقديم أي جواب نظرا لحالة الغموض التي تلف مواقف الأطراف المشاركة في الائتلاف الحكومي ،والتي تذهب بنوايا وخطابات لتصريفها داخل لجنة النموذج التنموي الجديد، وتعود للبحث في قرارات قديمة عمرت لسنوات وتم رفضها، تنفض عنها الغبار وتعود بها إلى الساحة الاجتماعية، كجائحة جديدة مثلما تفعل اليوم مع التشبث بقرار تفويت مصحات الضمان الاجتماعي.
يتضح من أن القوى المهيمنة وقوى الضغط الاقتصادي، تتجه لتغليب مصالحها وفرض اختياراتها، التي لم تنتج سوى البؤس الاجتماعي وتعمق الفوارق الطبقية والمجالية، وأن أحزاب الائتلاف الحكومي تجد ضالتها في هذه الاختيارات، بدون أي استثناء.
فحزب العدالة والتنمية أكدت بعض الأحداث والمواقف، أنه صار الراعي الأمين للمدارس الخاصة، ولم يدخر جهدا في الدفع بالقرارات التي تخدم مصالح أصحابها.
في العديد من البلدان الرأسمالية، كانت أكثر جرأة في المطالبة بالتخلي عن التفويت المحموم للقطاعات الاجتماعية، لتمكين مجتمعاتها من تعايش أفضل، والبعض أدرك أن الأمن غير من مفاهيمه القديمة، ولم يعد تحقيقه رهينا بترسانة أسلحة الدمار، بل الأمن غدا مرتبطا بالقدرة على تأمين شروط الصحة والسلامة للأفراد والجماعات، وأن تطور الاقتصاد رهين بتوفير هذه المطالب الحيوية في عالم اليوم.
لكن إنجاز هذه المهام أصبح بدوره رهينا بالاستثمار القوي في العلم والمعرفة والتكنولوجيا.. وأن هذه الاستثمارات لن تقوى عليها سوى الحكومات والضغط على الرأسمال للاتجاه أكثر في خدمة الأمن والسلام.
حكومتنا التي لا يمكن وصفها إلا بالضعيفة، خيبت لنا كل الآمال والأحلام، وبينت بالملموس عجزها التام عن إخراج البلاد من وضع الأزمات البنيوية، وما تتخذه اليوم من قرارات لن يزيد سوى الطين بلة والرفع من درجات الاحتقان الاجتماعي نحن في غنى عنه في هذه الظروف بالذات.