افتتاحية مجلة 24 : حزب التقدم والاشتراكية في الميزان

افتتاحية مجلة 24 : حزب التقدم والاشتراكية في الميزان
بقلم فؤاد الجعيدي

حزب التقدم والاشتراكية جزء لا يتجزأ من تراث شعبنا في النضال الوطني، والديمقراطي من أجل الحرية والتقدم وساهم بقوة في معركة التحرير والتصدي للاستعمار والامبريالية وأعطى على امتداد مساره العظيم ، شهداء ومعتقلين.
لكن شاءت الظروف الوطنية، والدولية، أن يعرف هذا الحزب هزات قوية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وجدار برلين. وفتحت اللجنة المركزية للحزب نقاشات واسعة، للأسف لم يكتمل نضجها على المستوى السياسي والايديولوجي، لكنها في الظاهر بدا معها الحزب قوة جذب واستقطاب في وسط النخب لمواقفه الحكيمة من حرب الخليج ووقوفه بقوة وثبات ضد النزعة الديكتاتورية التي كان يمثلها حزب البعث العراقي واحتلاله لدولة الكويت.
أيضا ظل الحزب يتميز في مواقفه من قضية الوحدة الترابية ولم يسجل عليه بخلاف البعض، أي مزايدات سياسية ونفس الأمر في زيارة شمعون بريز للمغرب، الجميع صب النار على الزيت إلا الحزب حين خرج بموقف وواضح من خلال افتتاحيتي البيان وبيان اليوم ونبه أن القضية الفلسطينية وفي أي تفاوض هي قضية الشعب الفلسطيني أولا وأخير.
لكن بدءا من سنة 1992، عاش الحزب انفتاحا لا مثيل له، بل شجعت عليه وزارة الداخلية في شخص الراحل ادريس البصري، في توجيه مباشر، لبعض الأعيان وأصحاب المال للالتحاق بصفوف هذا الحزب العتيد بقوة أفكاره وتبصره السياسي.
وبات الرفاق القدامى يتحسسون انهيار التربة التي جمعتهم لعقود، أضف إلى ذلك بروز نزعة تناور على قيادة الحزب، مثلها الراحل التهامي الخياري لكنه لم يفلح في الفوز بالرهان وعاد علي يعته لقيادة الحزب من جديد.
شاءت الظروف أن يرحل علي يعته وأن يرحل ندير الذي شكل الخلفية الإيديولوجية لهذا التحول والانفتاح ، عبر مقالاته MAIS DIS L’AUTREنحو فئات لا تتمثل أيدولوجية الحزب ولا يمثلها طبقيا ولا تتمتع إزاء خياراتها بأي وعي تاريخي باستثناء أنها كانت وفية لتعاليم وزير الداخلية ساعتها.
بعد رحيل علي يعته إلى متواه الأخير، ورث الحزب هزات عنيفة، زاد من شرخها الأمين العام اسماعيل العلوي، الذي عرف الحزب في عهده نزيفا قويا في النواة الصلبة التي تمثل الاختيارات المنسجمة مع هوية الحزب الطبقية في ماضيه النضالي ومواقفه السياسية.
تعمق الشرخ أكثرمع نبيل بن عبد الله، والذي اقتصر في تدبيره التنظيمي على الاعتماد على تقنيات المناورة للتخلص من كل الحساسيات التي لها القدرة على مناقشة الأفكار والدفاع عنها، وبات وحيدا في واجهة الحزب. الحزب هو نبيل ونبيل هو الحزب. حتى وقع في الزلة التي دفعت القصر الملكي لإصدار بلاغ، ونعته بالمضلل مع التأكيد على أن القصر، ظل يحترم الحزب وعمل على استقبال أعضاء من قيادته لتفسير أسباب نزول البلاغ.
اليوم يتم الإعلان على أن حزب التقدم والاشتراكية يضم 60 ألف منخرط، على مدى 75 سنة من الوجود، أمر فظيع ويكشف أن قيادته الوطنية ليس لها امتدادات وجذور في صفوف صغار الفلاحين والطلبة والعمال والمثقفين الذين فضلوا الانزواء إلى الصفوف الخلفية أمام هيمنة الحواريين، الذين لا يجيدون النقاش والتفاعل لما يثار حولهم من شبهات وصناعة المؤامرات ضد الرفاق لإبعادهم عن الحزب.
اليوم هناك جيل جديد ومندفع يرافق السيد نبيل بن عبد الله لفتح أبواب الحزب على مصراعيها والدعوة إلى التبطيق، ويراهنون على خطاب الأمين العام في هذا الاستقطاب الذي فقد بوصلته في التعاطي مع انتظارات الحزب المستقبلية في شقيها التنظيمي والاستحقاقات المقبلة.
لنكن واضحين، اعتبرت الشبيبة مزرعة لتهيئ الأطر الواعدة والمؤمنة والمتشبعة بالخط النضالي للحزب، كما اعتبرت هياكل الحزب في نشاطها وقربها من المواطنين والارتباط بقضاياهم اليومية، ومناصرتهم في كفاحاتهم هي الشروط الحقيقة، لتقوية الحزب وهي صمام الأمان المستقبلي للتعبئة في المعارك الانتخابية المقبلة.
إن ما يحدث في مراكش من صراع وظفت له مواقع التواصل الاجتماعي، يعكس بعمق الاختلالات التنظيمية ويعكس أكثر أن الاتحاد الاشتراكي غدا هو التناقض الجوهري، وأن نتائج هذا المسار لن تعمل سوى على تقوية النزعات اليمينية والمحافظة، ولم يسبق للحزب في تاريخه أن راهن على إحداث جبهة مواجهة مفتوحة مع الحلفاء الطبيعيين حتى في أحلك الظروف.
هذا الوضع، كان يفترض من القيادة الوطنية للحزب إن وجدت، أن تعمل على علاجه السياسي والتنظيمي، وأن تبادر للخروج من صمتها لتقدم الأجوبة الملائمة لكذا صراعات افتقدت بوصلتها في تحليل طبيعة الصراع الذي يمر منه المجتمع في هذه المرحلة.
على الحزب أن يقدم الأجوبة السياسية لمناضليه وللمواطنين عن أزمة الاختيارات التي كان جزءا منها في سنوات تدبيره لقطاعات حيوية من تعليم وصحة وشغل وسكن .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *