افتتاحية مجلة 24… الانخراط بالأحزاب المغربية لا يؤهل لشروط الترقي السياسي داخل تنظيماتها

افتتاحية مجلة 24… الانخراط بالأحزاب المغربية لا يؤهل لشروط الترقي السياسي داخل تنظيماتها
بقلم فؤاد الجعيدي

في كل البلدان الديمقراطية بأروبا أو الولايات الكندية، نجد أن الانخراط بالأحزاب السياسية، يؤهل الناس إلى الترقي السياسي في تنظيمات الحزب، والوصول إلى المؤسسات المنتخبة، لتمثيل الاتجاهات التي يمثلونها، والدفاع عن البرامج التي يتبنونها. والأمر ليس حكرا على المواطنين من أصول أوروبية أو كندية، بل حتى المهاجرين الذين استقروا واندمجوا بهذه البلدان، يتمتعون بهذه الحقوق السياسية، على قدم المساواة والعديد من المغاربة، نساء ورجالا قد وصلوا عبر أحزابهم لمناصب تدبير الشأن العمومي، والتواجد بالمؤسسات وفق انخراطهم ونضالهم.
في المغرب هناك استثناء عن هذه القواعد، وعشت تجربة منذ أن كنت تلميذا بأحد التنظيمات السياسية اليسارية،. انخرطت بالتنظيم الشبابي إلى أن اشتد عودي، وبلغت السن القانوني للتمتع بحق الانخراط السياسي، وأصبحت عضوا نشيطا بإحدى خلايا الحزب.
علمني حزبي معنى الانضباط والالتزام بقضايا الجماهير، والقيام بأنشطة إشعاعية وجماهيرية في الحي والعمل، للتعريف بالحزب ومواقفه من مختلف القضايا السياسية والاجتماعية، والارتباط أكثر بالكفاح العمالي، على اعتبار أن هذا الحزب يشكل الطليعة الثورية للطبقة العاملة والانخراط أيضا في معاركها على المستوى النقابي.
علمني حزبي أيضا، أن أنشغل بكتابة المقالات والتنقل بها للجريد والحرص على المساهمة في تصحيحها، ومعرفة يوم صدور تلك المقالات، لنبرمج البيع النضالي أي إيصال مضامين الكتابات إلى المعنيين بها وفتح نقاشات معهم بالأماكن العمومية، كنت دوما أحرص على الاجتهاد رفقة رفاقي مستمدا منهم النصيحة، ما كان يشكل لي سعادة أن هؤلاء الرفاق قياديون ومروا من محن النضال السري واختبروا السجون، من أجل الانتصار لقضايا الناس، بل حتى الأمين العام للحزب وهو في ذات الوقت مدير الجريدة، كان يستقبل تلك المقالات بنوع من البهجة، ويحث على الاستمرار في هذا التوجه والذي دونه لن تكتسب صفة المناضل.
جرت مياه كثيرة تحت الجسر، ووصل الحزب الذي ظل لعهود يرابط في ضفاف المعارضة، إلى أن يصبح حزبا مساهما ومشاركا في تدبير الشأن العمومي. وأصبح الحزب يقترح أسماء الوزراء وكتاب الدواوين ليس اعتمادا على درجة نضالاتهم، واخلاصهم للاتجاه السياسي للحزب والإحاطة بتاريخه، ومواقفه في محطات كانوا جزءا من أحداثها. أصبح اسناد هذه المسؤوليات يتم في الجلسات السرية. بالمقر المركزي للحزب ومعيار القبول علاقات القرابة والمصاهرة. ومن باب الحمق الحديث عن الكفاءة العلمية والسياسية.
حين تقترب أيام التشكيل الحكومي، يظهر رهط من المنتسبين للحزب يتردون على المقر المركزي، ويتساءلون كالمنجمين إلى من ستؤول هذه الوزارة وتلك الحقيبة. الغريب رأيت أعضاء كبار قليلي المردودية النضالية ، يتوسلون لهم أمكنة بالمكاتب المكيفة والسكن الوظيفي وسيارة المرسيدس الفاهرة التي لها بلوحاتها تلك الأرقام التي تشير إلى أنها سيارة حكومية.
حين تنتهي حفلة الوزيعة، قليلو النضال منهم من يغضب ويختفي إلى أمل في تعديل قادم وما أكثر التعديلات الحكومية.
في الواقع لم يسبق لي في يوم من الأيام، أن كانت لي كذا أحلام لأني بكل بساطة كنت أجد متعة لا تقدر بمال، حين أنتصر للبسطاء في حقوقهم المشروعة، أو حين أساعد بائعا متجولا في استرداد عربة صدئة وميزان متآكل. وبات هذا الصنف من ، ندعى بالعارفين والمتمرسين بجر عربة الحزب في الظروف العصيبة والتي تختل فيها الموازين.
من كانوا يتشبثون باقتراح أنفسهم، ولا يعرف الخجل وجوهم حين يشاركون في الاستحقاقات الانتخابية، لا يقوون في الحصول على العتبة، لأن جلهم لا يربط حتى علاقات إنسانية مع جيران حييه، ولا يعرف له الناس اجتهادات فكرية أو سياسية، بل يجيدون ترديد بعض الأفكار التي يحملونها من زمن مرحلة تواجدهم بالجامعات، أو ما يتذكرونه من التراث العالمي الاشتراكي ومقولات رواده من الفلاسفة والمفكرين.
كان الحزب فيما مضى أيام زعيمه صاحب الكاريزمية النضالية، حين تأتي مهمة أو دعوة للحزب، ينشر الخبر بين تنظيمات الحزب، وينتظر الاقتراحات، لكن الذي تحكم بقيادة الحزب بعد سقوط قائده التاريخي في حادثة سير مميتة، صارت له بدع جديدة بالرغم من الإجماع على تواضعه منذ ندوة تارودات حول الثقافة. من هذه البدع، حضر ندوة كنت خلف تنظيمها في موضوع الأمن الغذائي، واستدعيت إنسانة عظيمة للمشاركة في أحد محاورها، أذهلت الحاضرين بقوة عرضها وطلاقة لسانها وهي بالمناسبة متمكنة في اللهجة العامية واللغة الفرنسية والانجليزية وتحاضر بجامعات أمريكية. طلب مني دعوتها إلى مكتبه الوزاري بالرباط، ولم يخبرني بموضوع الدعوة، لكن أدركت أنه اقترح عليها منصب مديرة مركزية بالوزارة، فاعتذرت بلباقة لو أخبرني لاختصرنا الجهد والوقت وحفظ دم الوجه. لكنه الاستثناء المغربي.
أدركت متأخرا أن في كل التنظيمات ليس شرطا أن تكون مناضلا ومتشبعا بالقناعات لترتقي سلم التنظيمات، هي محفظة أصلا كسجل تجاري.. لكن الزعماء لا يملون في المطالبة بالديمقراطية التي لا يؤمنون بها ولا يوفرون الظروف الموضوعية والشروط الذاتية لإنجازها.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *