افتتاحية مجلة 24:لماذا التغيير الحقيقي متمنع في المغرب؟

افتتاحية مجلة 24:لماذا التغيير الحقيقي متمنع في المغرب؟
بقلم: فؤاد الجعيدي


لا خير في السياسة، إن لم تساهم وتؤثر بشكل ملموس، في الارتقاء بأوضاع الناس، والتجاوب مع حاجياتهم الطبيعية، في تأمين المسكن والملبس والدواء والغذاء والتمدرس والعمل.
والسياسة هي الإطار العام، الذي تتقدم فيه الأحزاب بتصوراتها ،ومشاريعها عن الكيفية التي ينبغي أن يكون عليها الواقع الاجتماعي، بعد الوقوف على اختلالاته وتناقضاته، التي توسع الهوة بين المستفيدين والمحرومين وتفرز البؤس الاجتماعي والعوز والخصاص لدى فئات واسعة من المواطنين.
منذ الاستقلال إلى أيامنا هذه، تعاقبت حكومات وتيارات فكرية وسياسية، على تدبير أحوال المغاربة، لنستيقظ بعد انصرام ما يزيد عن ستة عقود، على الحاجة في البحث عن نموذج تنموي جديد، يحيي الآمال في أن الخروج من هذه الأوضاع أمر ممكن. لكن ما الذي يعوزنا لإنجاز هذا الهدف، في ظل بروز تجارب دول متخلفة أحدثت القطيعة مع ماضيها، والتحقت بركاب عصرها بفضل التقدم الاجتماعي والازدهار الاقتصادي. وبفضل الانحياز لسياسات عمومية جعلت من الرأسمال البشري محورها وغاياتها.
ما هو مؤكد أن التقدم الاجتماعي والازدهار الاقتصادي، يحتاج إلى أحزاب قوية بأفكارها وبرامجها ومؤمنة بضرورات تأطير الجماهير، وقيادتها في معارك مواجهة الفقر، والتصدي للعوامل المنتجة للتخلف، أحزاب قادرة على اختيار تحالفاتها الطبيعية وغير أنانية في تغليب مصالحها ومنافعها الذاتية، على حساب التطورات الاجتماعية العامة للوطن.
لكن من تجاربنا الوطنية ما هي الخلاصات والدروس التي نستنتجها اليوم ومن كل الأحداث التي مررنا بها؟
أن أحزابنا الوطنية، تعاملت وفي أكثر من مناسبة مع التحالفات كقضايا تكتيكية، سرعان ما يتلاشى التحالف دون إنجاز تطلعات الجماهير ودون توطيد الممارسات الديمقراطية في توسيع مشاركة الناس في السياسية، بل عشنا أكثر من مرة انتكاسات وتراجعات على المكاسب التي ظننا أننا فزنا بها ورسخناها.
في ظل هذه الأوضاع، أصبح الخطاب السياسي المغربي، يثير عزوف الناس وسخريتهم، لكن ما هي الأسباب العميقة، لكل هذا التذمر الاجتماعي من السياسة.
لنقلها صراحة، أن كل النخب السياسية الوطنية، وبدون استثناء ظلت كتنظيمات، تستفيد من هذه الأوضاع سواء، أكانت أحزبا في المعارضة أم في التحالف الحكومي. ولا تهتم بالأزمات الاجتماعية سوى حين تتطلب المواقف استخدام الضغوط في المفاوضات السياسية، لتعزيز مواقعها في الخريطة السياسية.
لم يعد اليسار المغربي بقادر على إقناعنا، كيف تتشبث تنظيماته بالشتات والتفرقة، لأسباب ذاتية أكثر منها موضوعية، سوى أنها تستفيد من هذه الأوضاع ولا تتنازل عن أنانياتها الضيقة والمنافع التي تحصدها، والدليل على هذا الموقف أن بعض أحزاب اليسار لم تعد تقو على تقبل تواجد مناضليها القدامى والذين لا زالوا مؤمنين ومقتنعين بثقافات وأفكار الزمن الثوري.
لما نعد إلى مؤسسي الفكر الاشتراكي وبعض منظريه، نتلمس بيسر أن قناعاتهم السياسية والايديولوجية تبنوها فكرا وممارسة. ففلاديمير لينين مؤسس الاتحاد السوفيتي مات وفي جيبه ستة روبلات وابنت ستالين الذي هزم جيوش النازية انتهت حياتها في بيت مأجور. وقائد الفيتنام الحديثة هوشي مين مات في بيت من القش. وماو تسي طانوغ الذي قاد الصين إلى مصاف الدول الكبرى، كان يرافق عمال النظافة لكنس الطرقات.
لكن في مسارنا السياسي الوطني، نكتشف أن الصراع كل الصراع يشتد على مواقع الزعامة، والزعماء يعمرون طويلا في تنظيماتهم ويعضون بالنواجد على الكراسي ويتخلصون من رفاقهم الخصوم ويشكلون داخل التنظيم الواحد مؤسسة رفاقية لتبادل المنافع ولا يضرهم أن يستقطبوا من خارج تنظيماتهم من يساعد على بناء العلاقات الشخصية للظفر بالغنائم.
عشت تجربة لم تتغير فيها القيادة لعقود، لكن التنظيمات القاعدية كانت تتحول وتستأصل منها النواة الصلبة، التي تحافظ على وفاء التنظيم لهويته السياسية والطبقية، حتى بات رقما إضافيا جديدا في المشهد السياسي وقد تخلص نهائيا من جذوره التاريخية، وكشف فيه الزعماء الجدد عن تطلعات نحو الثراء وحياة الرفاه.
في أحزابنا الوطنية اليوم، جل الزعماء استفادوا من مواقعهم السياسية، في تعليم الأبناء في كبريات الجامعات في أروبا الغربية وأمريكا الشمالية، وفي وضعهم بمناصب المسؤولية ومنهم من أنشأ المقاولات ومنهم أدار الضيعات العصرية ومنهم من دخل التجارة دون الحديث عن الأرصدة البنكية.
من الطبيعي في وضع مثل هذا، أن تدافع كل النخب السياسية على مصالحها، التي تتعارض مع مصالح أوسع الفئات وعلى رأسهم الطبقة العاملة، وأن تعرقل أي تحالف يستهدف العمل على خلق جبهة وطنية، لوضع السياسات العمومية في طريقها الصحيح نحو بناء مجتمع العدالة الاجتماعية والتقدم.
لقد ولى زمن اعتبار الناس كقطيع، وجرهم إلى الساحات العمومية بالشعارات الزائفة، التكنولوجيا المعاصرة توفر كما هائلا من المعلومات عن ثراء السياسيين وتمتعهم بالنعيم الفاحش، ودفاعهم المستميت على أن يظل هذا الوضع على ما هو عليه.
ولهذه الأسباب أيضا، لم تعد الأحزاب الوطنية بقادرة على إنتاج وإبداع الأفكار وليس بوسعها سوى حسن التعبير عن البؤس الاجتماعي، حيث الزعيم هو الواحد الأحد القادر على التحدث في السياسة والاقتصاد والمعرفة والثقافة والصحة والتكنولوجيا، بل من الأحزاب من تخلص من مثقفيه لإعلان القطيعة مع الفكر والمعرفية والتخلص أيضا من أسئلة النبش في أصول التخلف الاجتماعي واستفحال مظاهر التفاوتات الطبقية.

One thought on “افتتاحية مجلة 24:لماذا التغيير الحقيقي متمنع في المغرب؟

  1. الكثير اصبح بارعا في التباكي و التشاكي. و البلد في حاجة لمن يقدم او يعطي البديل للمرحلة وليس العرض المرئي للجاهز سلفا ……كن بارعا في تحليلك و اقتراحاتك …..اظن …….

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *