افتتاحية مجلة 24 :للتاريخ/ لعب العيال لا يقلقني

افتتاحية مجلة 24 :للتاريخ/ لعب العيال لا يقلقني
بقلم: فؤاد الجعيدي

انخرطت مبكرا في العمل النقابي: تلميذا وطالبا جامعيا ثم إطارا بالتكوين المهني.
ساهمت على مستوى النقاش الفكري في إصدار صفحة، شهرية، خاصة بقضايا التكوين المهني، بجريدة بيان اليوم كمتعاون، وساهمت في العديد من الندوات الوطنية، ورافقت أهم تحولات المنظومة التكوينية منذ سنوات الثمانين من القرن الماضي. كما كنت أنشر بعض الكتابات بمجلات تربوية خاصة، من بينها مجلة قضايا تربوية التي كان يديرها الراحل عبد المجيد الذويب المربي والسياسي الفذ والنقابي المحنك الذي ذاق مرارة السجون والتعذيب في الغرف السرية، لدرب مولاي الشريف ولم يتنازل عن الإضراب الوطني لرجال التعليم في إطار الاتحاد المغربي للشغل.
كان للرجل الفضل أن اقترح إسمي في محطات وطنية فاصلة، ومن بينها تعيني من طرف صاحب الجلالة محمد السادس بالمجلس الأعلى للإنعاش والتخطيط.
كان لهذا الحضور أن أناقش ندا لند مع مدراء عاميين مروا بمكتب التكوين المهني، بما أحمله من هموم وانشغالات، ليكون الحقل الوظيفي مجالا، ليس للدفاع فقط على الشروط المادية والمعنوية لإخواني وزملائي في العمل، بل أيضا للارتقاء بالنقاش الفكري في إطار الجامعة الوطنية للتكوين المهني لمعالجة القضايا البيداغوجية والتقنية الإدارية والمعرفية في زمن انفتح فيه القطاع، على مشارب وحساسيات قادمة من جامعات أروبا الشرقية والغربية ومن روافد سياسية من اليمين إلى أقصى اليسار، كما انفتح المكتب في إطار التعاون الدولي على نظم وتجارب من فرنسا وألمانيا وكندا وايطاليا واليابان والصين الشعبية.
قدمت للتكوين المهني في منعطف خلق معاهد التكنولوجيا، واكتساب القطاع وظائف استراتيجية في تنمية قدرات الناس وتأهيلهم للمهن الناشئة والمواصفات الجديدة لمناصب العمل.
وفي خضم هذه الأحداث، كلفني الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، أن أكون مشاركا ومعبرا أمينا على توجهات اتحادنا في لجنة المجلس الأعلى للتربية والتكوين، لتقديم رؤيتنا الاستراتيجية في تنمية القطاع في أفق 2025.
كانت رئاسة اللجنة لعميد كلية مراكش وبحضور المدير العام العربي بن الشيخ الذي كان فزاعة بطابعه البدوي وممثلين عن أرباب العمل والنقابات.
كانت المناسبة شرطا وكنت أول الموجهين لرسالة تضمنت تقديم إشارات قوية على أن تاريخ التكوين المهني لم يبتدئ مع مجيء ابن الشيخ، بل عرف نواته الأولى مع الحماية الفرنسية بمركز المحيط بالرباط، لتكوين مصلحي المحركات ذات الوقتين ثم نما وتطور القطاع بالتجاوب مع نمو النسيج الاقتصادي الوطني. وفي كل محطات التأسيس ساهم مناضلون رجالا ونساء، في توفير الدعامات البيداغوجية والقوانين المنظمة للقطاع. وللتاريخ، هذه الإنجازات، أطرها وأنجزها مناضلو الجامعة قبل تأسيس كيانها.. كانوا نساء ورجالا العديد منهم قضى نحبه وآخرون ينتظرون، ثم أسسوا للنواة النقابية الأولى، في زمن الرصاص وواجهوا توقيف أجروهم وهم فقط مصلحة صغيرة بوزارة الشغل,
صبروا وكابدوا ولم يساوموا في هذا الحق المشروع إلى أن آتهم انتزاعه، ليشكل فيما بعد البناء الطبيعي للجامعة الوطنية للتكوين المهني.
لم يكونوا مستخدمين فقط بل كانوا عائلة، بعضهم ربط روابط المصاهرة واشتركوا في الملح الذي أنبت، قوة تنظيمية كان لها الفضل في قيادة مسار طويل من انتزاع المكاسب وتحسين الأجور وتنظيم العمل وفق الشروط العصرية.
في الألفية الثالثة جاء جيل جديد. أتى في ظل هيمنة قيم اقتصاد السوق وظهور أشكال جديدة من الاستغلال، فباتوا يشتغلون بنظام العقدة، وهي عقد، تفسخ وتجدد مع مطلع كل سنة تكوينية، علما أن مدونة الشغل لا تسمح بتجديد عقد العمل لأكثر من مرتين.
للتاريخ اجتمعت مع ثلة من هؤلاء الوافدين، بمقر الاتحاد المغربي للشغل بسطات، لتأطير اللقاء، كانت مطالبهم تتعلق بضرورة الحصول على وثائق تثبت أنهم بالفعل، ينتمون إلى مستخدمي ومستخدمات المكتب. وأن تمتعهم الإدارة بالوثائق التي تفيد بهذا الارتباط. كان كل واحد فيهم يغني بهموم ليلاه.
في خلاصتي نبهت أن عليهم في إطار اتحادنا أن يرفعوا مطلبا واحدا هو الترسيم والباقي تفاصيل غير مفيدة. انتقلت الفكرة إلى مراكش تبناها إخوان الاتحاد المغربي للشغل بحماس، كانت الفكرة مثل كرة الثلج واحتضنها فيما بعد المقر المركزي للاتحاد بالدار البيضاء ووفر لها الدعم المادي واللوجستي والمعنوي. بإشراف مباشر على الملف من طرف الأمين العام الأخ الميلودي مخارق..
وتوجت المعركة بانتصار تاريخي، انتزعته الجامعة الوطنية للتكوين المهني بالتوقيع على بروتكول الادماج.
اليوم بعض الشباب الذين، لم يستوعبوا ويقدروا هذه المكاسب، يخرجون، بمنتهى النذالة وبأسماء مستعارة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بألسنة سليطة يوزعون الشتائم، دون تورع، في إساءة لأنفسهم لأنهم بكل بساطة لا يستحقون صفة المربي التي وجدوا فيها خطأ. وهو شذوذ لا ينسجم مع أخلاقيات مهن التربية والتكوين، والشاذ كما يقول الفقهاء لا حكم عليه مثل الساقط الملقب بالبيضاوي، وكلمة شذوذ من بين ما تعنيه أنها المرض الذي ذكر مرات عديدة في كتاب الله. والكلمة ينطقها أهل مراكش بتسكين حروفها، يا العياذ بالله.
إن الشاذ، يصير بالضرورة سفيها، والسفاهة مكسب اجتماعي تساهم في خلقها النشأة التربوية للفرد والذي من كل تعابيره وانفعالاته ومشاعره، يحيلنا بيسر لمعرفة الحضانة التي أتى منها.
مخاوفي اليوم، أن هذه المنزلقات التي تؤثث لها الانتهازية، توفر قاعدة معطيات، تدعونا جميعا من مختلف المواقع، لنضال جديد يكون بالضرورة على الواجهة الفكرية، لضبط القناعات ولجم ألسنة السوء التي تفرخ بيننا دعارة مؤلمة لانهيار الأخلاق.
الاختلافات لا تفسد للود قضية إن كانت حول القناعات المذهبة، لكن لن أسمح لنفسي بمرور التجار. فالتجارة بالنقابة كما التجارة بالدين، تفسد أحوال الناس وتلعب بأحلامهم وقيمهم في حياة نريدها جميعا لصيانة، كرامة البشر وتقديس مسؤولية العمل وإشاعة روح التضامن في مواجهة الخصم الحقيقي والفعلي الذي لن يكون سوى التخلف بمعناه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفلسفي.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *