افتتاحية مجلة 24 : إلا الوحدة الترابية

افتتاحية مجلة 24 : إلا الوحدة الترابية
بقلم فؤاد الجعيدي

كل الأشياء قابلة اليوم للنقاش الحر والمسؤول في بلادنا، وتختلف درجة التقدير، من فريق لآخر حول السياسات العمومية ويشتد الصراع الفكري والسياسي وتتعارض المقاربات بين من يديرون هذه السياسات العمومية ومن يقف على معارضتها أو يختار العزوف عن مثل هذا الخوض.
كل النقاشات تستهدف البحث في جذور الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وطبيعة الاختيارات المتبعة ،سواء بالارتياح للنتائج والدفاع عنها أم رفضها والتركيز على اختلالاتها وفي مثل هذا الواقع، نعترف أن بلادنا قطعت أشواطا في بناء المؤسسات وحققت نهضة اقتصادية مهمة وفتحت أوراشا كبرى، في الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية. ولازلت مصرة بإجماع وطني أن الإصلاحات في بداية مداخلها.
وهي نقاشات ساهمت فيها المؤسسة الملكية باعتبارها طرفا وشريكا للفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين، عملت في أكثر من مناسبة على إثارة جوانب الاختلالات المرصودة، ودعت بكل جرأة للبحث عن نموذج تنموي جديد، وأسست له الأرضية الجماعية في اقتراح البدائل المستقبلية. بالمشاركة الواسعة داخل لجنة النموذج التنموي الجديد والتي احتضنت النخب السياسية والفكرية والاقتصادية والشبابية لاستقراء المواقف التي تعتمل في المجتمع المغربي.
وسارعت مرة أخرى المؤسسة الملكية، لتوجيه كل الفرقاء ومن مختلف المواقع والحساسيات للانخراط في مشروع الحماية الاجتماعية، للارتقاء بأوضاع المواطنين وتجاوز حالات الهشاشة الاجتماعية للفئات التي ظلت محرومة من التغطية الصحية والتعويض عن فقدان الشغل وضمان تقاعد في نهاية المسار المهني.
إلا قضية واحدة ظلت، محطة اجماع وطني كما ظلت أمانة ومسؤولية للمؤسسة الملكية باعتبارها، الضامن للوحدة الترابية ومع هذا التكليف الدستوري، هيأ المغفور له الملك الحسن كل الظروف والشروط ، وعمل على تحريرها من الاستعمار بمسيرة سلمية أقبل فيها كل المغاربة ومن مختلف الفئات والأعمار نساء ورجالا على المشاركة الطوعية والتلقائية، حيث كانت بأسلوبها ونهجها نموذجا في التحرير الثوري والسلمي المعاصر، خارج منطق المواجهات العسكرية.
وفي ظل التحولات الجيو سياسية للعالم والمنطقة المغاربية، دخلت الجزائر ولأسباب سياسية معروفة وشكلت حاضنة فوق أرضها لكيان وهمي مصطنع، بلغت مزايداته أوجها على امتداد سنوات الصراع. لكن باتت تلوح في الأفق بوادر إيجابية، مع اقتراح المغرب على المنتظم الدولي مشروع الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية للصحراء المغربية. وهو اقتراح تبنته الأمم المتحدة والمنتظم الدولي ويحظى بالواقعية، لوضع حد لهذا الصراع المفتعل الذي عمر طويلا. وتتجاوب معه بقوة القبائل الصحراوية في ظل ظروف واستقرار الجنوب المغربي، الذي شهد على مدى السنوات نهضة تنموية كبرى أثمرت دينامية جديدة تجلت في افتتاح عشرات القنصلية العامة ما بين العيون والداخلة. والعديد من العواصم الافريقية عبرت عن رغبتها في فتح تمثيليات دبلوماسية بالمدن الصحراوية جنوب البلاد بغية التعبير عن دعمها للمغرب ولمغربية الصحراء، وانخرطت في هذا المسار الذي دشنه المغرب في انفتاحه على العمق الافريقي بالتعاون البناء على كافة المستويات المالية والاقتصادية والثقافية..
هذه الدينامية القوية، لهذا المسار الواعد في التعاون المغربي الإفريقي، أشعل سعار النزعة الانفصالية، والتي لم يعد لها تأثير على الساحة الدولية.
هذا الواقع الجديد، بات يؤلم وبقوة الأطراف التي راهنت على الخسران ولم يبق لها من تأثير في الأحداث، سوى الرهان على بلاغات تعمل على تصريف والأوهام، ويوظف لها الفاشلون والمأجورون والمرتزقة والذين احترفوا وتمرسوا على التجارة في آلام الناس ومآسيهم اليومية وأوضاعهم التي ينعدم فيها الحد الأدنى للتجاوب مع ضرورات الشروط الحياتية والمقبولة إنسانيا مقابل ثمن قليل كما يحدث بمخيمات القهر الاجتماعي بتندوف فوق التراب الجزائري . وينشرون كل هذا الحقد، عبر بعض مواقع السوشيال مديا. في عالم أصبح ما يفيد فيه لحياة الشعوب هو التعاون الدولي المبني على قواعد الاحترام وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان واحترام حقها في النمو والتوزيع العادل لمقدراتها الوطنية.
لكن أن يبرز مستخدم يعمل بإحدى مؤسسات التكوين المهني بالرباط ويدعي كلاما غير مسؤول ، عبر شريط فديو، وظف فيه عبارة يمقت المغاربة بكل أطيافهم السياسة والنقابية، القبول بها وأسقطها على مسؤولين إداريين الأمر يقتضي وبدون تردد :
الشجب والإدانة لهذا الحمق الذي يركب الاتهامات المجانية في حق مؤسسة التكوين المهني وطنيا وجهويا ومحليا ويسئ للانتماء للعاملين بها.
وعليه وجب وعاجلا الاعتذار لكل الشريفات والشرفاء بمكتب التكوين المهني رجالا ونساء مكونات ومكونين، أطرا تقنية وبيداغوجية والذين يشهد لهم التاريخ ومنذ سنة 1974 التي اكتسب فيها المكتب الوظيفة الأساس في تكوين الشباب ومرافقة المقاولات الوطنية باعتباره جهازا وطنيا لدى المملكة المغربية، في بناء منظومة الجهاز التكويني عبر مراحل متعددة وأبانوا في كل محطات بناء منظومة التكوين المهني وطفراتها المفصلية عن روح عالية من الوطنية ونكران الذات. وكانوا محطة إشادة وتقدير لعاهل البلاد المغفور له الحين الثاني ووريث عرشه الملك محمد السادس، الذي كرم هذا الجهاز وبوأه المكانة الاستراتيجية في مرافقة الأوراش الكبرى والمهيكلة للاقتصاد الوطني في عالم قائم على المعارف التكنولوجية والتنافس الشرس بين اقتصاديات بلدان العالم وتصدير مكاسب هذه التجارب والخبرات إلى العمق الإفريقي في إطار التعاون بين بلدان القارة السمراء.
هذا الرصيد من العطاء بات تجربة تحظى بالتعاطف الافريقي، لخدمة المورد البشري وعلى رأسه الطبقة العاملة في البلدان الافريقية.
إن هذا العمل المؤسساتي الكبير، يعود فيه أيضا جانب الفضل، لمنظمة الاتحاد المغربي للشغل والتي احتضنت الجامعة الوطنية للتكوين المنهي للساهمة بوثائق مؤتمراتها في ترسيخ التنظيم المهني، لمنظومة التكوين المهني والإسهام البيداغوجي في المناهج والبرامج من خلال اجتهادات الرفيقات والرفاق داخل اللجن التقنية المتخصصة.
وظل التكوين المهني والعاملين به من خلال منظمتهم الاتحاد المغربي، لهم تاريخ مشرف في الدفاع عن القضية الوطنية داخل المحافل الدولية مكتب العمل الدولي والمنظمات العمالية عربيا وإفريقيا ودوليا، ولدى المنظمات الشقيقة والصديقة.
من يريد المشعل اليوم عليه المحافظة على هذا التراث الوطني، الذي هو ثمرة من ثمار الجهاد الأكبر في بناء مجتمع الكفاءات والمعرفة والعدالة الاجتماعية، وليس التنابز بالكلام والاتهامات المجانية في لحظات يغيب التعقل ويحضر فيها الجنون الذي لا يفقه صاحبه ما يقول.
ستحل يوم السادس من شهر نونبر القادم، الذكرى السنوية للمسيرة المظفرة، التي تعتبر الامتداد الطبيعي لتحرير الوطن من الهيمنة الاستعمارية البغيضة، وهي مناسبة يستوجب فيها على مكتب التكوين المهني أن ينظم فيها، عبر التواصل التكنولوجي والمحطات الرقمية المرئيةّ/ المسموعة، لقاءات لاستخراج الخلاصات من هذا الحدث العظيم في تاريخنا المعاصر من أجل تحرير التراب وهو المدخل الطبيعي لمقدمات تحرير الإنسان للتفرع لعمليات البناء الوطني، وتنمية الناس بواسطة الناس ومن أجل الناس وهي الشروط التي تؤسس للكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والحرية. وهي أيضا القيم التي يناضل من أجلها الاتحاد المغربي للشغل في أفق ترسيخ وطن يحتضننا جميعا والكل فيه سواء.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *