هل اتضحت الرؤية اليوم في المغرب؟
منذ اعتلاء عاهل البلاد محمد السادس عرش البلاد إلى اليوم، جرت مياه كثيرة تحت الجسر..
نضجت الظروف والشروط، واتضح لنا الأصدقاء من الخصوم.. لكن العوامل الداخلية كانت هي المحدد الرئيس لهذا النضج، حيث أن المغرب وقف على مواطن ضعفه بجرأة، مع المحاولات القوية للقطع مع إرث التجاوزات، التي أخرت حلقات استكمال بناء الدولة الحديثة، حيث أنه منذ تقرير الخمسينية حول التنمية البشرية، قاد الانفتاح على المفكرين والمثقفين لرصد وتشخيص الأعطاب، ثم توالت عمليات التصحيح، بإعلان المصالحة مع ماضي الانتهاكات الجسيمة، وفتح الأوراش الكبرى والمهيكلة للاقتصاد الوطني، وقاد إصلاحات ناعمة وقوية، للخروج من أوضاع الاعتماد على الزراعة والسياحة كقطاعات استراتيجية، والاتجاه إلى تطوير وعصرنة البنيات الانتاجية بالانفتاح على الصناعات الحديثة المنتجة بقوة لفائض القيمية، مع الاتجاه نحو العمق الافريقي لتبادل المنافع مع القارة السمراء.
إن هذه الثورة الناعمة، لم تغمض العين عن الجوانب السلبية في السياسة العمومية، التي بلغت منتهاها ولم توزع بعضا من غناها على جزء عريض من المغاربة، ونزعت بالسؤال نحو البحث في أفاق أخرى لنموذج تنموي قادر على إنتاج بدائل لتوزيع الثروة بالقدر الكافي من الإنصاف والعدالة، وهي قضية مجتمع برمته وقواه الحية، والفاعلين الاقتصادين والاجتماعين، لترميم الأعطاب السابقة، وفي نفس المنحى تم الاتجاه نحو الحماية الاجتماعية لتهم 22 مليون مغربي.
ومع التحولات التي أصابت العالم، بادر المغرب لتقوية حضوره، على الساحة الدولية، كأمة عريقة لها امتدادات في التاريخ، وعرفت روابط مع أهم الحضارات التي عمرت على ضفاف البحر المتوسط، وهي الدوافع التي يسرت لمغرب اليوم، تجاوز النظرة التقليدية، لما ينبغي أن تكون عليه التحالفات، والتي تحترم السيادة الوطنية للبلاد، ولا تتدخل فيها بأي ذريعة كانت.
لكن يلاحظ أن المغرب، في كل لقاءاته ومفاوضاته، لم ينخرط في لعبة الخفاء السري، بل كانت كل اللقاءات تتم في واضحة النهار، وتختار لها كأسس، التعاون المثمر وتبادل المنافع على قدم المساواة، والحرص دون هوادة على التصدي للحركات المتطرفة، والمساهمة في التخفيف من التوترات التي عرفتها بعض المناطق، منذ أن اختار الانخراط في القوات الأممية الراعية للأمن والسلام.
لقد كانت معارك المغاربة ومنذ الاستقلال، هي بناء المؤسسات ومراكمة التجارب ضمن الخيارات الديمقراطية سياسيا، لكن اليوم يتضح أن هذه المعارك تطمح إلى إعطاء مضامين جديدة للقيم الإنسانية في العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وهي اختيارات نابعة من هذا الداخل المغربي، والذي ظل المغاربة معه وبكل انتماءاتهم وأطيافهم وحساسياتهم الفكرية السياسية، يرفضون لكل من يرغب في الالتفاف على معارك وقضايا لا تخصنا إلا نحن.
لكن لا يسجل على المغاربة، وفي كل فترات تاريخهم أن كانوا أذنابا لغيرهم، في مؤامرات استهدفت زعزعة الاستقرار بل قادوا مقاومة جماعية ليظل الوطن حرا.
اليوم وعبر هذا التاريخ المليء بالعبر والدروس، اقتنع المغاربة أن الغايات والمقاصد الكبرى التي تجمعنا هي المساهمة الجماعية في صناعة مؤسسات قوية وذات مصداقية، تشتغل على تمتين اللحمة الداخلية للمجتمع وتسير به نحو تحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي المسنود بالعدالة والكرامة.