مأساة سطات في نخبها السياسية
لنقلها بالصراحة المرة والمطلوبة اليوم، مأساة سطات في نخبها السياسية، التي لم تقو على إبداع الأفكار والمشاريع التي تغير وجه مجالها بما يتوافق، وتطلعات هذه المدينة التي لعبت أدوارا طلائعية في تاريخ المقاومة المجيدة من أجل تحرير الوطن.
الحزب الشيوعي المغربي، وفي فترات الحماية الفرنسية البغيضة، استطاع أن يخلق فريق النهضة السطاتية، ليس للفرجة الرياضة في كرة القدم الشعبية، بل كانت الأداة الخفية، لتمرير ونقل الذخيرة الحية والسلاح للمقاومة بالدار البيضاء من أجل القيام بالعميات التي تضرب مصالح الاستعمار الفرنسي.
وهذه المدينة بالذات، والتي لعبت أدوارا في تأمين التواصل، بين شمال المملكة وجنوبها، وفي فترات الاضطرابات، كان هناك الرجال الذين يؤمنون العبور للقوافل التجارية، ويتصدون لقطاع الطرق، واكتسب هذا المجال الجغرافي، تسميته بزطاط، أولئك الرجال الذين يزططون القوافل ويؤمنون سلامة المال والسلع والرجال.
وفي مراحل أخرى كان رجال آخرون، يربطون تجارة الإبل بين الصحراء المغربية، إلى سوق السبت أكبر الأسواق الوطنية الأسبوعية لبيع الإبل والغنم والمواشي بسطات.
إذن لهذه المدينة تراث لامادي، ضارب في أعماق أهل الشاوية، وفي أعماق هذا المنبسط من تامسنا، والذي للأسف لم يجد نخبا سياسية، عالمة بالتاريخ والإنسان لتثمينه والارتقاء به ليلعب أدواره.
هذه المدينة كان أهلها رافعة، لأكبر الأحياء التجارية بالدار البيضاء درب عمر، وهذه المدينة أعطت نخبا في التاريخ الوطني ورجالات مشهود لهم بالكفاءة، والحنكة السياسية بل امتد تأثيرها برجالها ونسائها لبعض الدول الأوربية وكندا حيث نجد بمدينة الكيبك الكندية سطاتيون يدبرون الشأن الحكومي.
لكن النخب التي ظلت هنا، والتي تعاقبت على إدارة الشأن الجماعي لم تنشر سوى البؤس بين الناس ومظاهر التخلف، بنشر أسواق الفقر وبيع المتلاشيات التي لا تنسجم مع التطور الحضاري للمدينة ومكانتها في تاريخ بلادنا.
الذين تعاقبوا على رئاسة الجماعة، لم يدركوا ما معنى أن تكون رئيسا للبلدية والناطق باسم الناس ومصالحهم وحاجاتهم واحتياجاتهم.. بل كانوا في كثير من المرات يظهرون بمظهر الشفقة. لا يهم المواطن إن كنت تحافظ على صلواتك الخمس، فتلك علاقتك بالله أما عباد الله ينتظرون منك مشاريع لتغيير وجه المدينة، والخروج بمنطقتها الصناعية من ذاك الركود الذي حولها لأطلال وحنين إلى زمن نشاط الدورة الاستثمارية.
حرام بكل المعايير أن نرى معامل تغلق، كما حدث للمطاحن، وحرام أن تتحول المنطقة الصناعية، لمخازن ولبنايات سكنية، وقد التهمت مالا كثيرا من دافعي الضرائب لإقلاع اقتصادي، يؤمن الشغل لأبناء المدينة الذين تقتلهم البطالة والعطالة.
لنقلها جهرا، أن مدينة سطات تم إعدامها بمنتخبيها، بأبنائها الذين لم يكن لهم كبد عليها.
لنقارن اليوم المدن الذكية الناشئة مثل الرباط وطنجة ومراكش، وهي المدن الحديثة التي تبرز تطلعات وطن في الحداثة والعصرنة، لكن هذه المدينة الجريحة في كل يوم تفقد بريقها من قوة الصدمات واللكمات والمزايدات.
هناك رجال تحولت أوضاعهم الاجتماعية، ولا يخجلون اليوم للعودة إلى المشهد السياسي وما عساهم فاعلون بهذه المدينة الثكلى.
لنقلها صراحة، هي الآن تتوفر على جامعة وعلى مركز للبحث الزراعي ومؤسسات تكوينية وعلى بنيات إدارية وعلى مقاولات رائدة روكا وسيطافكس لكن ينقصها تفكير أهلها، وتفكير نخبها في صناعة مجدها,
لا أحد في المجلس أتى، بفكر ومشروع ولا أحد استقطب جهات أجنبية لبناء شراكات تعود على المدينة بإنتاج فائض قيمة والدفع بها نحو إنتاج الثراء. وأقصى ما فكرت فيه الرؤوس نفورات لا تنتج الخبز للجياع ولا تؤمن الصحة للمرضى.
المنتخبون حين يجتمعون في الدورات، يلغطون ويجهشون باللغة ويتعاركون والله أعلم بما يحرك الصراع بينهم. ويتوزعون فرقا وشيعا، لكن لا يتضح في الأفق أنهم يتنافسون على تمجيد المدينة ونهضتها.
لنقل بصراحة البكاء الدامي، أن خلف الصراعات في الدورات هناك صمت يشبه البياض، لمن دخلوا وخرجوا من باب البلدية، وقد تبدلت أحوالهم الاجتماعية فيما تم نشر الهشاشة والفقر بين الناس.
سطات ظلمت من أهلها بالتراشق بالكلام بين نخبها، وتوزيع الامتيازات بين الفرق السياسية، لكن أصيبت في جوهر طموحها بعطب تعطيل عجلة التنمية.
أتحدى منتخبيها إن كانوا راضين على الأوضاع اليوم، لكنهم يتأسفون ومن مختلف الاتجاهات على عجائنهم الخاسرة.
أمل الناس، أن لا تتكرر المأساة ثانية، ومن كان له رأي مخالف لا يسعني سوى القول هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين .