عودة إلى قضية المفكر سعيد ناشيد

عودة إلى قضية المفكر سعيد ناشيد
فؤاد الجعيدي

للتاريخ، كنت أول من كشف عن خيوط المؤامرة، التي دبرت في حق المفكر سعيد ناشيد من طرف النائب الاقليمي لوزارة التعليم بسطات، وعشت معه تفاصيلها المرة، حين التقيت به، بمقهى الكاستيو بمجمع الخير بسطات قرب بيته.
في ذلك الركن المنعزل من المقهى، أطلعني على قرار مثوله أمام أنظار المجلس التأديبي وقال لي: أن المدير الإقليمي لوزارة التربية تمادي في تحقيره. ووجد درعا نقابيا قريبا من المتأسلمين بهذا البلد، برر لسياق المؤامرة وصولا لتهيئ قرار عزله من أسلاك وزارة التربية الوطنية.
وبحكم اختباري نقابيا لقضايا مماثلة، لم يكن بوسعي سوى أن أزرع في نفسه شحنة أمل، وحررت أولى الافتتاحيات بمجلة 24 بتاريخ 13 نونبر 2021.
كتبت، تحت عنوان ( النائب الإقليمي لوزارة التعليم بسطات في ورطة كبرى)
(أستاذ من مدرسة الداخلة ، بمدينة البروج، يعرض على المجلس التأديبي، بتاريخ 12 نونبر 2020. ويتخذ في حقه عقوبة توقيف لمدة ثلاثة أشهر.
من يكون هذا الأستاذ الذي تمت إحالته على التدريس بالمستوى الابتدائي في مغرب يبحث عن الكفاءات؟
هذا الأستاذ ليس سوى سعيد ناشيد المفكر والباحث، الذي يسجل له حضور بارز، على الساحة الوطنية والدولية، في مناهضة الفكر الظلامي عبر العديد من المؤلفات:(الاختيار العلماني وأسطورة النموذج و قلق في العقيدة و الحداثة والقران ورسائل في التنوير والطمأنينة الفلسفية والذرائع في خطاب الإسلام السياسي ومؤمنون بلا حدود والوجود والعزاء إلى جانب المساهمة في عديد من المؤلفات الجماعية نموذجها مع المستشرق البريطاني. والحضور المشرف للمثقف المغربي في مواجهة المثقفين المشارقة، على واجهة المنابر التلفزية العالمية.
هذا الحضور، لم تكن ترضى عليه الاتجاهات الإسلاماوية ، وكان لزاما عليها أن تحرك ذرعها النقابي بسطات، باستغلال حقل العمل للأستاذ ناشيد بالتعليم كأستاذ، وتصفية ما يمكن تصفيته.
دخول نقابة الإخوان على الخط وتنسيقها مع النائب الإقليمي لوزارة التعليم بسطات، ساهم بقوة لرفع العقوبة إلى توقيف لمدة ثلاثة أشهر.
النائب الإقليمي لم يحافظ على وجوب حياد المؤسسة الوطنية التي يمثلها وكان الفم الذي أكل به الثوم. سبق للمدير الإقليمي أن استدعى إلى مكتبه الأستاذ وبحضور النقابي الإسلاموي في سياق غير واضح وليس له من مبرر، لكن اتضح فيما بعد أن التنسيق، امتد لساعة اقتراب موعد المجلس التأديبي والذي كان مقررا انعقاد جلسته على العاشرة صباحا في التاريخ الوارد أعلاه، وتأخرت الجلسة لانفراد النقابي المتأسلم، بالمدير الإقليمي لما يناهز الساعة والنصف بتداول مسبق لتحديد العقوبة والتي تم تصريفها وسط المجلس، بكل خبث وتآمر دنيء,
إن حضور هذه الخلفيات بات يثير المخاوف على امتدادات الفكر الظلامي في دواليب الإدارة ولم يكن ليقوى على المواجهة الفكرية واختار مثل الخفافيش اللعب في جنح الظلام، لكنه لعب وظف المساطر الإدارية لنفث السموم.
لذا يحق لنا التساؤل اليوم وبالأخص على التدبير الإداري الإقليمي الذي أقام الدنيا ولم يقعدها في انشغاله، بقضية لم يحسن احتواءها وصنع منها حصان طروادة، ونسي مهامه الجوهرية ووظائفه الأساسية في تأمين التعلمات المطلوبة للتلاميذ وليس فتح جبهات مغلوطة وتصفية الحسابات السياسية، خارج تطلعات مغرب اليوم وطبيعة تحدياته.
أمر مؤسف ومخجل وأبله، أن يستعمل النائب الإقليمي معلومات خاصة بالوضع الصحي للأستاذ، ويجعلها مشاعا بين الناس ويلوكها دون ضابط للسانه السليط، ولم يكن مؤتمنا على سر صحي، بل انتقل به بانطباعه الفج، لمناقشة مضمون التشخيص الطبي بشعباوية تنسجم مع من أمروه بإذلال الأستاذ في سابقة خطيرة، في الحقل التربوي غير المسموح له بكذا انحرافات.
إن الأمر يحتاج للتدارك على وجه السرعة، وهذا التدارك لن يقوم به سوى معالي وزير التربية الوطنية، الذي له ما يكفي من الجرأة والشجاعة للاعتراف لنساء ورجال التعليم، الذين يساهمون من مواقعهم الفكرية بالمعالجة للمعضلات الاجتماعية والدينية بإعادة الاعتبار لسلطة العقل التنويري، هذا العقل الذي تتربص به القوى التي تستخدم الدين، للاستمرار في الدفاع عن البنيات الفكرية المحافظة والمنتجة لأصول التخلف وامتداداته، والتي وصل تأثيرها للتحكم في المرفق الإداري.
ومن هنا وجب قرع نواقيس الخطر الاجتماعي والسياسي. ولنا عودة للتفاصيل التي يوجد بها الشيطان لتقديم قراءات في طبيعة الاختلالات الإدارية، وما وقع لم يكن له أن يقع لو تحكمت روح المسؤولية وثقافة تدبير الصراعات كما تعلمنا إياها علوم الموارد البشرية، في منظومة التعاطي الإيجابي لقيادة فرق العمل.)
وعدت في افتتاحية ثانية أناشد فيها معالي وزير التعليم السيد أمزازي لتدارك ما يمكن تداركه، لكن على عادة المسؤولين في هذا البلد فهم يبنون باطلهم على الباطل وزلات لا تعد ولا تحصى بشراكهم البالية لخنق الأصوات الحرة..
لكن المناشدة وجدت آذان السيد الوزير مغلقة ولا تستمع سوى للأباطيل التي تنسج عن بعد، وكانت الافتتاحية الثانية وعلى صفحات مجلة 24 ثانية:
(كما أشرنا إلى ذلك، في عدد سابق من مجلة 24، نعود اليوم لتناول الخلفيات والنوايا السيئة، التي كانت تقف وراء جر الأستاذ سعيد ناشيد الباحث والمفكر، في القضايا الفلسفية وعلى رأسها مسألة الإصلاح الديني.
نعود إلى كرونولوجية الوقائع والأحداث، لمحاولة فهم ما جرى:
أن المعني بالأمر، توصل من المدير الإقليمي في 30 أكتوبر من سنة 2019، برسالة يدعوه فيها ضمنيا، للتوقف عن المشاركة في الأنشطة والندوات الوطنية والدولية، بدعوى أنه مريض، وأدلى بشهادات طبية للإدارة، علما أن هذه الشواهد الطبية لها من الخصوصية ما لا يلزم الجهر به وأن أمر تشخيصها يظل من مسؤوليات فرع من فروع الطب المتخصص.
أن المدير الإقليمي، أمر الأستاذ بالالتحاق الفوري بالقسم، من خلال مراسلة تحمل توقيعه، بتاريخ 9 نونبر 2020 والأستاذ يعمل بمدينة البروج، ويراسله مرة أخرى وفي نفس اليوم أي 9 نونبر 2020 ويدعوه للالتحاق بمقر المندوبية الإقليمية للصحة لإجراء فحص طبي مضاد (الاستنتاج واضح هو وضع الأستاذ ضمن خيارات مضادة ليسهل على المدير الإقليمي، تمكين شركه من صيد قلنا هدفه خدمة أجندة خارجية عن الوظيفة وهدفها تصفية حسابات سياسية ).
لما طلب الأستاذ ناشيد تحقيقا من مدير الأكاديمية الجهوية لجهة سطات الدار البيضاء، استقبله المدير الإقليمي بمكتبه يوم 28 يناير 2020. لكن لماذا أصر المدير الإقليمي على حضور شخص من نقابة الاتحاد الوطني للشغل؟
المدير الإقليمي كان يبحث، وبكل الوسائل الإدارية التي أساء استغلالها، لمثول الأستاذ أمام أنظار المجلس الـتأديبي. وتطلب الأمر من سيادته التوقيع على القرار الأول بتاريخ 5 أكتوبر 2020 ثم القرار الثاني بتاريخ 28 أكتوبر 2020 ولم يتحقق له مبتغاه إلا في تاريخ 5 نونبر 2020.( ما معنى هذه الارتجالية، فقط لأن المدير الإقليمي، لا يضبط المساطر الإدارية. أو هو جاهل بها، حيث المشرع في قانون الوظيفة العمومية، جعل العقوبة تتدرج، وجعل أمرها مشتركا بين المسؤول المباشر، ثم إن استعصى الأمر مررنا إلى المستوى الأعلى. هل احترم المدير الإقليمي هذه الإجراءات؟ لا. لأن فكرة الانتقام وتنفيذ مخطط غيره أعمت بصيرته.
في قانون الوظيفية العمومية، هناك الإنذار والتوبيخ ثم التوقيف عن العمل لمدة ستة أيام لماذا المدير الإقليمي قفز عن التدرج؟ عليه تقديم الجواب؟
قد قلنا أن القضية برمتها، تقف وراءها أياد خفية وجبانة تعادي المفكر والباحث سعيد ناشيد، في حضوره الفكري والسياسي المتميز وطنيا ودوليا، وكانت المحنة التي اجتازها على مدى سنة، هي الضريبة المباشرة التي أداها عن اختياراته الفكرية أمام القوى المعادية للديمقراطية والتي للأسف، نسجل لها حضورا اليوم بين دواليب بعض الإدارات.
ما يؤكد مذهبنا أن الأستاذ سعيد ناشيد، قدم في حقه مدير ثانوية الرازي، شهادة إلى المدير الإقليمي بتاريخ 15 نونبر 2008 حول أدائه المهني، كأستاذ لمادة الفلسفة ومعزز بتنويه من مفتش المادة، والذي أقر بتجربة وحنكة الأستاذ ناشيد واضطلاعه الواسع على المعارف الفلسفية والتفاف التلاميذ حول أستاذهم. لكن كان رأي المصالح الإقليمية هو نقل الأستاذ للتدريس بالأقسام الابتدائية مما عمق معاناته..
غياب الإنصاف ولؤم الخصوم، حمل الأستاذ في لحظات غضب قصوى وانهيار عصبي، إلى تقديم طلب الانتقال إلى إقليم أزيلال، هروبا من هذه الجبهة التي فتحت عليه، من قلب عمله اليومي .بالرغم من أن استقراره العائلي بمدينة سطات، ولم يبق له على التقاعد إلا سنتين.
لذا نناشد معالي وزير التربية الوطنية وعاجلا بتوقيف قرار طلب الالتحاق بإقليم أزيلال وفتح تحقيق في كل معاناة الأستاذ المفكر والباحث سعيد ناشيد، خدمة لمثل العدالة الاجتماعية وما يلزم من توقير لعلمائنا والمنشغلين بهموم وطننا على المستوى الفكري والعلمي.)
وهكذا يفاجأ المفكر بقرار عزله عن الوظيفة، قرار العزل أخذه وزير التعليم أمزازي وزكاه رئيس الحكومة السيد سعد الدين العثماني.
كل هذه السلطات الحكومية تكالبت على رجل تعليم لقطع مصدره رزقه، علما بأن الملف برمته كان في نسجه مثل خيوط العنكبوث.
وانتقلت القضية إلى القضاء الإداري وترافع فيها ثلة من الأساتذة الحقوقيين والمشهود بالكفاءة في الدفاع عن قيم الحرية ومناهضة الظلم، وترافعوا بتعرية جوانب الاعتداء على الحقوق المكفولة بالتشريع الوطني والتي داس عليها مسؤولون إقليميون ووطنيون ومنهم من هو أعلى في هرم الدولة.
لكن القضاء الإداري أحق الحق وعمل على إصدار قرار نهائي وغير قابل للطعن لفائدة المفكر سعيد ناشيد ببطلان قرار العزل من الوظيفة وعودته إليها.
لقد ظلت قناعاتي أن مثل هذه المعارك ومن فضائلها أنها تعمل على تأصيل الحقوق وتوفر لنا مكاسب مليئة بالدروس والعبر وتعمل على نضج الممارسة الديمقراطية في بلادنا.
ووجب علينا الاقتناع أن ما بني على باطل يظل باطلا على الدوام وأن الانتصار للحقوق هي القاعدة الثابتة.
فهنيئا للمفكر سعيد بطي مرحلة غير مأسوف عليها كما طويت صفحة العدالة والتنمية في تدبير شؤون الناس.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *