طفلة تكوى بالنار وتعري تجليات الهشاشة
رأيت صورا لطفة في ربيعها السادس.
في الصور الأولى كانت بأكادير في رعاية أسرة، مكنتها من الحق في التربية والتعليم داخل إحدى المؤسسات التربوية، التي تعنى بتعليم الأطفال وتنشيط قدراتهم باللعب الجماعي، وترويض ملكاتهم البشرية، وتمكينهم من الإقبال على الحياة الاجتماعية بما يحتاجونه من تعلمات في حفظ الأناشيد والرقص على ايقاعاتها البسيطة.
في صور أخرى كانت نفس الطفلة هزيلة من شدة الجوع ومن سوء التغذية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ازداد فظاعة بتعريض جسدها للكي بالنار، حيث أدخلت الانعاش بحروق من الدرجة الثلاثة ولم يكن الفاعل سوى الجدة.
لم أحتمل النظر في الصور ولم أجد قدرة على نشرها، ولكن هذا الوضع الذي تعرضت له هذه البنية، يسأل فينا ما تبقى في نفوسنا من قيم إنسانية، لم أجد من خصم لتفسير هذا الوضع سوى هذا الفقر، الذي يضرب عددا من المواطنين ويجعل منهم وحوشا.
حينما يصبح للوجود كلفة لا نقوى على تأمينها، فلننتظر من السلوكات أبشع الصور التي لا يمكن أن يتقبلها عقل بشري، في تمام الصحة والسلامة العقلية والنفسية والجسدية.
أن تعمد جدة إلى تعريض قطعة من الحديد للنار، وبعد ذلك تضعها على الأجزاء الناعمة من جسد طفلة لا حول ولا قوة لها، لا بد أن يوقظ فينا ضميرا إنسانيا تم اغتياله بنماذج تنموية لم تعمم الرخاء على كل الناس وجعلت جزءا كبيرا من الناس يواجهون الضغوطات اليومية، ولا يجدون حيلة أمام واقع عنيف يوطن عنفه في نفوس البشر.
الطفلة الضحية، ليست سوى نتاجا لحرمان مجتمعي قوي، نشأت وترعرعت فيه وكان لزاما هنا بالذات، أن تكون للدولة بنيات استقبال تتمكن من احتضان الأطفال، وتمتيعهم بالدفء وصد الحرمان عليهم.. هذا جزء من المعنى الحقيقي للدولة الاجتماعية، التي تكون لها من القدرة والوسائل لانتشال الأطفال من آفة الفقر وتعويضهم عن حرمان أسري يشرع لهم كل أبواب الجحيم المستقبلي.
هناك مغاربة ميسورون وهنا جماعات لا تعوزها الإمكانيات، لتهيئ فضاءات للحماية الاجتماعية لأطفال الحاجة والخصاص، حتى لا تفتك بهم الأقدار بمخالبها.