شنق آمال وأحلام الفقراء بالمغرب
تاريخ الأحزاب السياسية بالمغرب، يعلمنا حقيقة واحدة، وهي أن أي حزب في تعاطيه مع واقع الأحداث بالبلاد، لم ينفلت من عمليات التفتت الذي قد ينتهي إما بعملية تقسيم أو اندثار من الساحة السياسية. في سنوات الأربعين من القرن الماضي، عشنا على إيقاع قوى سياسية منها حزب الشورى والاستقلال وحزب الاستقلال والحزب الشيوعي المغربي.
وهي قوى نشأت على أنقاض حركات المقاومة الوطنية في مواجهتها للتغلغل الإمبريالي، وسرعان ما تحولت عبر مثقفي وشباب المرحلة إلى قوى سياسية، تعمل على تأطير الجماهير وتحريكها في مواجهة القوى الاستعمارية، التي عملت على تقسيم التراب الوطني كالكعكة وفرض الحماية عليه.
إن نزعات الانشقاق التي عاشتها الأحزاب المغربية، منذ النشأة إلى أيامنا هذه، تقتضي من رجال البحث الأكاديمي، دراسة هذه الظواهر التي باتت اليوم تشكل عوامل فرملة وتلجيم للتطور الديمقراطي بالمغرب وعرقلة الانتقال إليه.
فاليسار المغربي وهو الأكثر نضجا في التعاطي مع الأفكار السياسية، نعتقد أنه راكم إلماما قويا بالنظريات الفلسفية والتيارات الفكرية ذات التوجهات الماركسية، وله أساس وجود بين وواضح في الدفع بالحركية التاريخية، للمجتمع نحو التقدم والمساعدة على الحسم في هيمنة القوى المحافظة، لم يقو منذ الاستقلال إلى اليوم على تكوين جبهة واسعة من التحالف لإنجاز تطلعات القوى الجماهيرية، بل زاد من تشككها في إمكانيات صدق نوايا هذا اليسار، في إنجاز التحولات المطلوبة، في الوقت الذي نجد فيه القوى اليمينية والمحافظة كانت أكثر براغماتية في تحالفاتها السياسية، فيما بينها أو مع الحكم لمحاصرة التغيير والدفاع عن مصالحها الطبقية.
الحزب الاشتراكي الموحد يعطينا دروسا في الأنانيات الضيقة، بين فصائله والتي لم تحسم في انحيازها للطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وعموم الكادحين، علما أن خطاباتها السياسية لا نلمس فيها التعارض في مواقفها المبدئية موضوعيا، وهي التي تبحث في البدائل السياسية لقوة تنظيمية قادرة ومؤثرة في الأحداث، سيما في ظرفية تبنت فيها المؤسسة الملكية مواقف جريئة في قضايا الوحدة الترابية وصياغة مشروع الحماية الاجتماعية الذي تفاعلت معه القوى النقابية بقوة وتفاؤل.
لم أتحدث عن التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي، اللذان يقدمان لنا دروسا بليغة في الانحراف السياسي، عن جذورهما الطبقية وهي انحرافات سبق لأمم وشعوب أن عاشتها من منطلقات هيمنة قوى برجوازية صغيرة، على القرارات التنظيمية لأحزابها وحولتها إلى قوى فاشية مناهضة ومتناقضة مع مصالح شعوبها كما حدث في سوريا والعراق ومصر وليبيا.
وأن نفس التهديد نعيشه، مع هذه البرجوازية الصغرى ببلادنا وهي من طبيعتها الطبقية، متدبدبة بين ضفتي اليمين واليسار لكنها كلما وجدت الظروف المواتية لتسلقها الطبقي، وفقدت رادعها من صلب تنظيماتها تحالفت مع القوى الرجعية، وتعارضت وتناحرت مع أوسع الفئات الاجتماعية. ولا يخرج عن هذا التصور، مآل حزب العدالة والتنمية.
الصورة نفهمها بالوضوح الكافي في الزعماء الذين تسلطوا على مواقع الزعامة في العديد من الأحزاب، فهم من أصول مهن المحاماة والتعليم والطب. لكنهم كانوا على الدوام على أتم الاستعداد للتخلص من رفاقهم دربهم النضالي دون أن يرف لهم جفن.
كلام في الصميم ،شكرا مجلة 24