دعاة المقاطعة لفائدة من يتحركون؟

دعاة المقاطعة لفائدة من يتحركون؟
فؤاد الجعيدي

علينا الاعتراف، بأن الحق في التصويت بالاستحقاقات، هو من صلب الحقوق السياسية وتعبير عن إحدى حقوق المواطنة، وأن هذا الحق من أجل تثبيته، تطلب معارك ونضالات، وليس المجتمع المغربي باستثناء في هذا الوضع، وأن ضمان حق التصويت للشباب، تطلب هو الآخر نضالات للقوى الديمقراطية الوطنية، من أجل انتزاعه.

اليوم هناك دعوات تنتشر كالهشيم في النار، لمقاطعة الاستحقاق، بدعوى أن الديمقراطية لم يكتمل بعد مسارها، ولكأن المقاطعة ستعمل على نضج فاكهة التفاح في الشجرة، لأناس ينتظرون فقط قضمها.

إن من يتشبث، بهذا الخيار، لا بد أنه مستفيد من أوضاع المقاطعة، والتاريخ القريب يثبت صحة هذا المعطى، فحزب العدالة والتنمية في الاستحقاقات السابقة، حصل على جزء من أصوات القاعدة الناخبة، وراهن بقوة على أجنحته الدعوية، ثم تحكم في رقاب كل المغاربة، وعمل على ضرب المكتسبات في التقاعد وتحرير السوق وتجميد الأجور والتعنت في عدم الجلوس مع الفرقاء الاجتماعيين إلى موائد التفاوض.

اليوم كما الأمس من يرفع شعار المقاطعة، ويروج لشيطنة الانتخابات، لا بد أن يدرك أنه يخدم موضوعيا، موازين القوى لعودة من ساهموا في هذا العزوف والتبخيس للسياسة. وهناك أطراف، ألفت منذ زمان العزف على هذه الأوتار، ولا تجيد تحريك أطرافها إلا أمام هذا البرلمان الذي قالت فيه ما لم يقله مالك في الخمرة.

ما العمل؟

إن الموضوعية والرغبة في خلق التراكمات الايجابية في المسلسل الديمقراطي، تقتضي المساهمة في الرفع من وعي الجماهير، والعمل على تنويرها عوض الاحتماء، بأهواء الدعوات الكاذبة والمغلوطة التي لا تسمن ولا تغني، وعلى الجماهير أن تتعلم الدروس المطلوبة في المعارك السياسية، والتي تبقى في نهاية المطاف تعطي الغلبة للقوى المؤثرة، في استمالة الناس بدون توجيههم نحو الأفكار والبرامج، وعلى المؤمنين بالخيارات الديمقراطية المشاركة في هذه المعركة دون نزوع لانتظار فرج لن يتأتى بقرارات فوقية.

لماذا هناك من يعمل على تبسيط الصراع السياسي، وتشويهه في مثل هذه المحطات الحاسمة؟ ولماذا ينزع عن هذه المعركة ما تعرفه من صراعات، لحفاظ البعض على مصالحه القوية، والتي يستثمر من خلالها في العمل السياسية للوصول إلى قبة البرلمان والتحالف على حمايتها.

صناديق الاقتراع وضعت أساسا، ليذهب إليها الناس وليختاروا وبحرية وإرادة واعية على من يلتمسون فيهم المصداقية والنزاهة والصدق، أنهم سيكونون أمناءا على تحمل هذه المسؤولية، وافتراضا إن لم يجدوا في هذه الفرق السياسية من يعبر عن طموحاتهم، لما لا يعبرون عن ذلك أيضا بالتصويت، لتراجع الأحزاب مواقفها والشخوص التي أتت بها.. هذا الأسلوب يساعد على اتضاح الرؤية اتجاه الأحزاب، وأن هذه الأحزاب بالفعل ليس لها امتدادات جماهيرية، وبالتالي نفتح النقاشات العمومية على الأزمة العامة، التي أصابت قوانا السياسية، إذا ما أكد الناس من خلال حضورهم المكثف في صناديق الاقتراع، أنهم لم يجدوا القوى السياسية التي تعبر بأمانة عن تطلعاتهم للتغيير، والتي توفر الشروط والظروف لإمكانيات تحقيق العدالة الاجتماعية كما ينبغي أن تكون.

إن التصويت حق لا يجب الانصياع لمن يريد الالتفاف عليه، بدعوة بئيسة ورخيصة أو من يزايد عليه، إنها اللعبة التي يمارسها الناخبون الكبار والصغار على حد سواء، وفي الديمقراطيات السياسية، إنها الفرصة الوحيدة والثمينة للعقاب السياسي والمحاسبة على الأداء الحكومي لمن شارك وساهم فيه، وطغى وتجبر.

لقد عشنا في استحقاقات سابقة، أن دعاة المقاطعة لا ينامون، لمعرفة الخريطة السياسية المنبثقة عن الاستحقاقات، وأيضا الحال بالنسبة لمن عزفوا، لكن في نهاية المطاف الكل سيتطلع للنتائج، سيخرج الكهان من معابدهم والمنجمون للحديث عن التحالفات، وسيكون الكل مشدودا ومتابعا لما تم العزوف عنه. ويتساءلون من أتى بهؤلاء ثانية للاستمرار على مشهدنا السياسي

لقد أوجعتنا هذه الطروحات، التي هي في نهاية المطاف، لم ولن تكون سوى التعبير الموضوعي عن البؤس السياسي لهؤلاء الدعاة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *