خلاصات عن الندوة التفاعلية لحزب التقدم والاشتراكية حول الطاقة
وأنا أتابع هذه الندوة التفاعلية التي نظمها حزب التقدم والاشتراكية، حول موضوع القطاع العمومي للكهرباء بالمغرب ( الاختيارات والحصيلة والآفاق) استحضرت روح المناضلة الراحلة لطيفة مكرامي، التي كانت بحجم عشرات الرجال في هذا القطاع والتي كرست حياتها للنضال اليومي، بمواقفها الجريئة وكتاباتها النضالية والمقاومة في صفوف الجامعة الوطني للكهرباء، وحملها مئات النسخ من جريدة البيان لبيعها النضالي داخل المكتب الوطني للكهرباء بشكل دائم ومستمر وفي كثير من الأحيان بشراسة النقابيين. لكن كانت وفاتها خسارة بكل المقاييس، واليوم نلمس حجم هذه الخسارة في مداخلة بعض الرفاق..
ما استوقفني هو أن الحزب على مدى مشاركته منذ حكومة التناوب، لم يتصد بما فيه الكفاية للتفويت وهو المؤهل طبقيا وإيديولوجيا وسياسيا للقيام بهذا النضال والصمود في وجه التوجهات الليبرالية والتي لم تنتج سوى الخصاص والهشاشة.
السيدة الوزيرة السابقة، لم تكن لها رؤية سياسية واضحة حول الإشكالية المركزية للموضوع، وانساقت في قراءة النصوص والقوانين المنظمة للعمل الجماعي، لكن المداخلة القوية هي التي جاءت على لسان الكاتب الوطني للجامعة الأخ زروال، الذي قدم رؤية الطبقة العاملة لعمليات الصراع الجارية في المجتمع المغربي، وكيف أن السياسات الحكومية التي ناصرت الرأسمال وتحالفت معه، قد أنتجت البؤس والحرمان في صفوف الجماهير الكادحة، واستشهد بالواقع المعيش للنتائج الكارثية للخوصصة في أقوى مثال، حيث أورد نموذج شركة لاسمير للمحروقات والتي قبل تفكيكها وتشريد عملها كانت ذرعا واقيا للاقتصاد الوطني من تقلبات أسواق المحروقات، وما يجنيه الخواص اليوم من أرباح في غياب ضبط السوق الحرة.
الرؤية العمالية لامست مختلف الاختلالات في كافة القطاعات الاجتماعية، من تعليم وصحة وبالأخص أن جائحة كورونا قد عرت الخصاص في الخدمات الصحية، وأن القطاع الخاص استغلها مناسبة للاغتناء على حساب المرضى والأزمات التي عصفت بهم. وأن بعض أرباب العمل استغلوا الجائحة للتخلص من العمال وتعويضهم بالمياومين، وهي تناقضات لصيقة بالتوجهات الرأسمالية الجشعة للربح.
إن الإشكالية المركزية، تتعلق باختيارات الدولة المغربية، هل نريد الدولة الاجتماعية الراعية للحقوق والواجبات أم تغليب كفة على أخرى حيث وصل معها النموذج التنموي الوطني إلى الباب المسدود، واليوم هناك إعلان من أعلى سلطة بالبلاد، على فشله ومراكمته لخصاص مهول على الإنسان والمجال. وللأسف هذا النموذج استمرت في نهجه القوى الوطنية الديمقراطية لما أتحت لها فرصة التناوب على إدارة الشأن العمومي على مدى أكثر من عقدين
ما العمل؟
إن مستقبل الوطن مرهون بصيانة قراراته السيادية، وعلى رأسها الأمن الطاقي والذي ترتبط به حياة الناس وصناعاتنا الوطنية، وأن الكلفة الفعلية للطاقة، لا تأخذ بعين الاعتبار أسعار السوق بل تراعي في المقام الأول القدرة على السماح للدورة الاقتصادية بالدوران ونشاط الأفراد واستقرارهم الاجتماعي.
علينا أن نتفهم أكثر أنه اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية، نقاش مفتوح بين النخب السياسية والفلاسفة ونفس النقاش في البلدان الغربية، أن هيمنت قيم اقتصاد السوق وضغوطات المراكز المالية أوصلت العالم إلى حالة من الإفلاس وأن الولايات المتحدة في طريقها إلى فقدان الزعامة والهيمنة، وعلى النقيض من توجهاتها ظهرت الصين الشعبية كقوة اقتصادية حقيقة، غدت تزيح الزعامات القديمة للعالم.
النموذج الصيني وافق بين الحفاظ على مؤشرات نمو مرتفعة، والرعاية الاجتماعية لمواطنيها وكيف توفقت الصين في محاصرة جائحة كوفيد 19 لأنها كانت تتحكم في الأمن الصحي كقطاع استراتيجي.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية هناك دعوة صريحة للعالم فوكو ياما للعودة إلى الفكر الماركسي لتجاوز التناقضات بين وفرة الانتاج وقلة الاستهلاك الذي تعاني منه الأنظمة الرأسمالية.
علينا إعادة الإنصات لما يجري حولنا عوض التشبث بالنماذج الجاهزة التي أتبتث فشلها الذريع، وعلينا التوقف من الآن في الاستمرار في منحى التفويت الذي عمق الاختلالات من حيث استهدافه الربح دون العمل على صيانة مكاسبنا الوطنية.
الفرصة مواتية وتستدعي الجرأة والمسؤولية في فتح نقاش عمومي يتلاقى مع الرغبة الوطنية في إعادة صياغة نموذج تنموي جديد يسمح لنا جميعا بالعيش الآمن والرقي الاجتماعي والثراء الاقتصادي.