حماقة الحماقات
يتضح اليوم أن الطغمة العسكرية الحاكمة بالجزائر، فقدت ما تبقى من صوابها، حين تعنتت في رفض المساعدات العاجلة التي أمرها بها عاهل البلاد محمد السادس لإغاثة أرواح المواطنين الذين باتوا عرضة لألسنة النيران المشتعلة في مناطق تيزي وزو.
النيران المشتعلة في الغابات، جرت في أكثر من منطقة في العالم، وتذهب التقارير الدولية، للاعتراف أن الارتفاع الحراري والاختلالات البيئية تظل هي العوامل المسؤولة عن هذه الكوارث.
لكن الرئيس الجزائري ظل يوهم الناس ويؤجج الحقد في النفوس، على أن هذه المآسي بفعل فاعل، ويشير بأصابع الاتهام إلى الحاقدين على الجزائر، غير أن هذه الاسطوانة لم تجد آذانا تقبل برواجها.
إن الخطاب الجزائري الرسمي بات معزولا، واشتدت عزلته أكثر في عدم تجاوبه مع سياسة اليد المدودة، التي ظل ينهجها المغرب منذ سنين، ويؤكد على أن سياسات العداء المجاني بين شعوب المنطقة، لم تكن سوى إنتاجا استعماريا، قادته فرنسا حين حاولت بكل ما أوتيت من قوة، لفصل الجزائر عن خصوصياتها الثقافية والحضارية، وتجعل منها فرنسا الثانية، ونفس الشيء جرى مع المغاربة بالظهير البربري الذي عرف مقاومة شرسة حيث عبر فيها المغربة عن التحامهم القوي بمؤسستهم الملكية، ورموزها الضامنة لسيادتها ووحدة ترابها.
كان علينا اليوم جميعا استنتاج الدروس والخلاصات، لإدراك أن التوترات المفتعلة كانت على حساب الحاجة للنمو، والتعاون المشترك للدفاع عن مصالح المغرب العربي، اتجاه دول المجموعة الأوربية التي جعلت من تكتلها قوة تفاوضية ومهيمنة ومدافعة عن مصالحها الحيوية.
لم تعد تكنولوجيات التواصل تسمح بحجب أشعة الشمس بعيون الغربال، فالجزائريون قد تناقلوا عبر الصوت والصورة، كيف انطلقت طائرات كنادير سي 415 التي يتوفر المغرب على ستة منها إلى واحات زاكورة وعملت بتدخلات خاصة لإخماد حرائق الواحة، ولها وقدرات على حمل ستة أطنان من المياه الممزوجة بالمواد الكيماوية، تتفاعل لتشكيل رغوة كيماوية تخمد النار وتحد من انتشارها.
المغرب الذي بات، يعتمد على سياسة التأهب والاستباق راكم تجارب وخبرات في أكثر من ميدان لإدارة الأزمات الطارئة، ووفر اعتمادات لاستثمارها في مواجهة الطوارئ، حيث أن كلفة الطائرة الواحدة تقدر ب 47 مليون دولار.
لكن الشقيقة الجزائر راهنت في سياساتها الوطنية على هدر مقدراتها الوطنية بتسليح وتمويل المرتزقة، وتناست ما تفرضه ظروفها الوطنية من السعي لتعميم الرخاء على المواطنين والنهوض بأوضاعهم الاجتماعية وحقهم في الحياة.
اختارت تكميم الأفواه بقوة القمع العسكري وواجهت المطالب المشروعة للناس بالبطش والقوة والتنكيل، لكنها اليوم تجني ثمار توجهاتها التي باتت تنشر القلق على استمرارها في عالم يسعى على الدوام لتعزيز الديمقراطية واحترام كرامة الإنسان والسعي لإخراجه من حالات العوز والهشاشة..
ولا غرابة أن نشاهد عبر وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، أن الشباب الجزائري، بات يستنكر شدود مواقف حكامه ويتطلع لمكاسب التجربة المغربية على جرأتها ونضجها وتطلعها لغد أفضل.