جماعة سيدي العايدي.. بين ماضي المقاومة و حاضر التسلط الانتخابي
كلما تحدثنا عن قبائل الشاوية و تضحياتها في مواجهة الاستعمار الفرنسي ، لا يمكن استثناء جماعة سيدي العايدي من خارطة المقاومة ، هذا النفوذ الترابي الشاسع الذي تبلغ ساكنته حوالي 14000 نسمة بحسب إحصاء سنة 2014 ، و يضم أربع مشيخات ، هي المرازيك ب16 دوارا و بني مجريش ب 9 دواوير و أولاد ايدر ب 8 دواوير إضافة للجدات ب 13 دوارا ، كان له الفضل في تكسير أجنحة المستعمر بالشاوية في العديد من المعارك ، أبرزها معركة سطات في شهر يناير من سنة 1908 ، خاضتها دواوير جنوب جماعة سيدي العايدي ضد الفرنسيين بزعامة الجنرال ” داماد” ، و المعركة التي عاشها سكان حدود جماعة سيدي العايدي و جماعة سيدي المكي في فبراير من نفس السنة لمواجهة الكولونيل “بوتغارت” عندما حاول هذا الأخير الانتقام من الدواوير التي شاركت في مقاومة المستعمر ، و هي المعطيات التي حملتها منشورات الجامعة الصيفية لشهر يوليوز سنة 1987 بالمحمدية في المحور السابع من جزئها الثاني المتعلق بالمقاومة المغربية.
مكتسبات بطولية حققتها قبائل سيدي العايدي منذ أزيد من قرن سيبقى التاريخ شاهدا عليها ، غير أن ما حققه الأجداد لم تستنبط منه الأبعاد و الركائز للنهوض بالمنطقة اجتماعيا و اقتصاديا من قبل الأحفاد ، و تعاقب المجالس المنتخبة لم يكن إلا سحابا مظلما تراكم في سماء هذه القبائل و لم يمطر غيثا نافعا ، بل جاد ببرد التفرقة و الانقسام و الغرور و الاستقواء و الركوب على ظهر الساكنة لتحقيق المصالح الخاصة و إقبار تطلعاتها و حقوقها المشروعة .
و إذا كان بالإمكان تسجيل بعض الإيجابيات الطفيفة في عهد الرئيس المرحوم ” العزوازي” ابن منطقة الجدات ، فإن إفقار جماعة سيدي العايدي اليوم و تركها تتخبط في مجموعة من المشاكل و الإكراهات ، و ذلك استنادا لتقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2018 ، يبقى وصمة عار على المجلس الحالي ، حيث جرد مجلس جطو العديد من الخروقات و التلاعبات و مواطن فساد إداري و مالي مصدره سوء تدبير الشأن المحلي و غياب الحكامة و الرؤى التنموية الهادفة لمنتخبين أغلبهم من ذوي المستويات التعليمية الضعيفة إن لم نقل أن بعضهم يصنف ضمن خانة الأمية.
أمثلة عديدة تبين بالملموس غياب نوايا الإصلاح و العمل الجاد لتحقيق متطلبات ساكنة المنطقة تتجسد أساسا في تردي أوضاع البنية التحتية و ترك الدواوير تتخبط في العزلة و إشكالية المسالك الطرقية و غياب دعم الأنشطة الفلاحية التي تعتبر الركيزة الأساسية لعيش القبائل ، إضافة لترافع جد ضعيف لدى الجهات المختصة من أجل تحسين أوضاع التعليم و الصحة و نقص حاد في البرامج الرامية للحد من الهشاشة و الفقر ، علاوة على مشاكل في التعمير كما هو حال تجزءات سكنية لم تسوى وضعيتها منذ سنة 1995 إلى يومنا هذا حتى أن بعض المستفيدين فارقوا الحياة دون تحقيق حلم سكن دفعوا من أجله كل ما يملكون ، دون إغفال سوق أسبوعي يعاني الأمرين بعدما كان يضرب به المثل في السنوات البعيدة الخالية.
و يبقى تبدير المال العام و اختلاسه أكبر فضيحة مدوية شهدتها جماعة سيدي العايدي ، و التي توبع على إثرها الرئيس الحالي و بعض معاونيه و تمت إدانته يالسجن النافذ من قبل محكمة جرائم الأموال ، و بالرغم من ذلك تمكن من العودة إلى المجلس الجماعي وسط استهجان و استغراب فئة عريضة من ساكنة المنطقة ، علما أن الأسباب ذاتها أسالت مداد العديد من الصحافيين و الحقوقيين ، و لازال بعض الغيورين من أبناء الساكنة رغم قلتهم إلى حدود اليوم ، يرفعون شعارات المحاسبة في وجه الرئيس كما هو متداول على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي.
ربما تكون فئات و مكونات المجتمع بالعالم القروي سببا مباشرا فيما تحصده اليوم من نتائج وخيمة عبر اختياراتها في صناديق الاقتراع ، و لم تعي المسؤولية الملقاة على عاتقها ، لكن صلة الروابط و العلاقات المتينة بين الفقراء و الأغنياء أو شبه الأغنياء أهم دوافع التصويت لصالح الأكثر بروزا في القبيلة حتى و إن كان مستواه التعليمي و الثقافي متدنيا ، و هنا يكمن دور الشباب المثقف لأخذ المبادرة و التوجه نحو توعية المواطنين بضرورة اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب سواء في الترشح أو التصويت ، و تحسيسهم بالخطوات المتقدمة التي خطتها بلادنا في القوانين المتعلقة بالممارسة السياسية و الانتخابية و المستجدات التي جاء بها دستور 2011 و كدا التوصيات التي حملتها الخطابات الملكية السامية في علاقة مباشرة بالمواطن الذي يعتبر الحلقة الأهم في العملية الانتخابية .
سواء تعلق الأمر بجماعة سيدي العايدي أو غيرها من الجماعات الكثيرة عبر ربوع المملكة ، و التي أكدت المعطيات ضلوع منتخبيها في سوء التدبير و تبديد و اختلاس المال العام ، فإن الدولة بمؤسساتها على اختلاف تخصصاتها مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتغيير أساليبها في المراقبة و المواكبة و تحريك آليات المحاسبة في وجه الخروقات و الاختلالات و تشديد الخناق على كل أشكال التلاعبات و استغلال النفوذ و إلا ما فائدة هذه المؤسسات ؟