جذور 8 مارس لن تغيب جدوتها
بيننا وبين الحدث الأول من 8 مارس، يكتمل اليوم قرن وثمانية سنوات، حيث كانت الحركة العمالية والاشتراكية في أوجها سنة 1914 وفي هذه السنة تجمعت النساء الاشتراكيات في الثامن من شهر مارس للمطالبة خصوصا بحق الاقتراع وهو اليوم الذي شهد أول مظاهر فعلية للنساء..
في الصين وروسيا وكوبا يعتبر يوم عطلة للنساء، لكن المرجح أن هذا اليوم أصبح أمميا، حيث المناسبة كانت في جوهرها قضية احتجاج حركة نسائية ففي سنة 1856 خرج آلاف النساء للاحتجاج في شوارع مدينة نيويورك على الظروف اللاإنسانية، التي كن يجبرن على العمل تحتها، ورغم أن الشرطة تدخلت بطريقة وحشية لتفريق المتظاهرات إلا أن المسيرة نجحت في دفع المسؤولين عن السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جداول الأعمال اليومية. وفي 8 مارس 1908م عادت الآلاف من عاملات النسيج، للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك لكنهن حملن هذه المرة قطعاً من الخبز اليابس وباقات من الورود في خطوة رمزية لها دلالتها، واخترن لحركتهن الاحتجاجية تلك شعار «خبز وورود». طالبت المسيرة هذه المرة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع. شكلت مُظاهرات الخبز والورود بداية تشكل حركة نسوية متحمسة داخل الولايات المتحدة خصوصاً بعد انضمام نساء من الطبقة المتوسطة إلى موجة المطالبة بالمساواة والإنصاف رفعن شعارات تطالب بالحقوق السياسية وعلى رأسها الحق في الانتخاب، وبدأ الاحتفال بالثامن من مارس كيوم المرأة الأمريكية تخليداً لخروج مظاهرات نيويورك سنة 1909 وقد ساهمت النساء الأمريكيات في دفع الدول الأوربية إلى تخصيص الثامن من مارس كيوم للمرأة وقد تبنى اقتراح الوفد الأمريكي بتخصيص يوم واحد في السنة للاحتفال بالمرأة على الصعيد العالمي بعد نجاح التجربة داخل الولايات المتحدة.
في المغرب كان حزب التقدم والاشتراكية ونقابة الاتحاد المغربي للشغل يعملان على الترويج لهذه المفاهيم التحررية والتي نراها اليوم وبفضل كفاح النساء المغربيات وإطاراتهن النسائية، أن صارت للمناسبة رمزيتها في مناخنا الوطني حيث تتطلع المرأة المغربية للمناصفة وإدماج مقاربة النوع في السياسات الوطنية، لكنها في الواقع المغربي تقدمت بخطى جبارة حيث صارت لها القيادة السياسية في بعض التنظيمات السياسية والنقابية والحضور في التشكلات الحكومية وتبوأت مكانتها في مختلف الوظائف العمومية والخاصة والتي كانت إلى عهد قريب حكرا على الرجال.
لكن تظل المعطيات والمؤشرات المجتمعية، تؤكد أن مسار التحرر لازال طويلا والكفاح فيه مطلوبا، حيث النساء لا يتمتعن على نفس العمل بنفس أجور الرجال، لا سيما في القطاع الخاص، وأن أزمة الجائحة أكدت أن النساء فيها كن الأكثر تضررا بفقدانهن لوظائفهن، وأن الاستغلال لا زال يمس النساء أكثر من الرجال، في مجتمع تسود فيه النظرة الذكورية، وأنهن أكثر عرضة للعنف والتحرش الجنسي.. وهي قضايا تحتاج أكثر من أي وقت مضى، الوعي بتداعياتها على نفوس النساء وهو ما يقتضي مزيدا من التصدي لهذا الظواهر الاجتماعية وبالأخص في جوانبها الأكثر قتامة.
مناطق هذا الظل عديدة، ولن يقوى على إماطة اللثام عنها سوى هذه اللحظات التي يجتمع فيها الديمقراطيون للتعبير للنساء عن عدالة قضاياهن ونصرتها ولو بتقديم الورود وفي ذلك اعتراف بالجميل الذي يحيا في النفوس كلما حل الثامن من شهر مارس.