المجد للطبقة العاملة
بقلم فؤاد الجعيدي
تحل ذكرى فاتح ماي في ظل أوضاع صعبة، لم يشهد لها العالم مثيلا، هذه الأوضاع التي ازدادت سوءا، من جراء الجائحة التي هزت العالم وحصدت ملايين من الرجال والنساء.
وككل الأزمات العابرة، هناك من يستغلها للاغتناء ولحصد مزيد من المنافع والأرباح على حساب المعاناة اليومية للمواطنين، كما حدث في أجهزة الأوكسجين والتي وقعت فيها المضاربات، في الوقت الذي زاد فيه الإقبال عليها، ولا ننسى أن بعض المصحات الخاصة هي الأخرى وجدت ضالتها في هذا السياق ورفعت من كلفة العلاجات التي وصلت في بعض الأحيان إلى 10.000 ده لليلة الواحدة وأن سيارات الإسعاف عند الخواص باتت تفرض أسعارا إذا ما علمت أن المريض مصاب بالوباء.
أيضا بعض أرباب العمل، استغلوا السياق للتخلص من العمال بنسب مخيفة.. وأن أصحاب العديد من المهن ضربها الكساد الذي أدى إلى الإفلاس المطلق للعديد من المقاولات الصغيرة التي كانت تخلق فرصا موسمية للعمل وتنشط التشغيل.
في ظل هذه الظروف القاسية، لم تكن حكومتنا في مستوى متطلبات المرحلة ولم تبدع وتنتج أفكارا لتأمين القوت اليومي لآلاف السواعد الهشة، بل نجزم أنها اتخذت مكانها المريح للفرجة على هذه المحن.
في العديد من الدول الأجنبية، سارعت الحكومات لاتخاذ الإجراءات المصاحبة للمقاولات، ومساعدة القوى المنتجة على تجاوز الأزمة بما يقتضيه ذلك من تخصيص اعتمادات مالية مهمة وإحداث برامج متنوعة في استكمال قدرات الناس على مواكبة هذه التحولات التي مست النظم الإنتاجية.
لكن في بلادنا، فإن حكومتنا، لم يسجل عليها أنها كانت تتمتع بهذا الحس الاجتماعي المطلوب في كذا ظروف وظلت في موقف المتفرج ولم تقم بتفعيل الإجراءات الحمائية لمصادر عيش المواطنين وبالأخص الفئات الفقيرة والمعدمة.
بل لم تسارع إلى فتح قنوات للحوار مع الفرقاء الاجتماعيين والانصات إلى اقتراحاتهم من أجل مواجهة الهشاشة التي اتسعت جذورها وفاقت كل التوقعات.
في الأزمات تظهر الشعوب قدراتها على الإبداع، والتصدي الجماعي لهزاتها الناشئة. لكن ما انشغلت به حكومتنا هو التصريح بأن احتفالات الفاتح من ماي لن يرخص لها هذه السنة حفاظا على الإجراءات الوقائية.
فما الذي كانت تقوم به الطبقة العاملة كل سنة، هو استغلال المناسبة في المسيرات والمهرجانات الخطابية، ورفع الشعارات للتنديد بالمظالم والجهر بالمطالب المشروعة، في الزيادة في الأجور وتطوير الخدمات الاجتماعية وحماية وصيانة الحق في الممارسة النقابية الحرة والمستقلة للأجراء بعيدا عن هيمنة الأحزاب السياسية عليها والتفاوض باسم العمال على المنافع السياسية.
لكن القوى النقابية واعتمادا على التكنولوجيا الرقمية ستبدع أشكالا جديدة من التواصل لإيصال صوتها ومعاناتها لمن يهمهم الأمر، وستكون المسيرات في النفوس والقلوب، أملا في الوصول إلى مثل العدالة الاجتماعية وكرامة المأجورين، نساء ورجالا، وستتلقف المواقع الاجتماعية للتواصل، وفي مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية لإصدار البيانات والبلاغات، أملا في أن تكون لنا حكومة في المستقبل القريب قادرة، ولها الإرادة السياسة في الإنصات لكل المطالب والتجاوب معها. وأن نخرج من عنق الزجاجة التي وضعتنا فيه حكومة العدالة والتنمية التي دبت على الأخضر واليابس، كلما تعلق الأمر بمطالب العمال وتحميلهم مساوئ اختيارات لم ينتجوها بل أنتجتها نخبنا السياسية التي لم تبرهن على قدراتها في التعاطي مع الشأن العمومي بما يضمن التوازن بين مختلف الطبقات الاجتماعية.
الأزمة راكمت الثراء والرخاء عند المحظوظين والمتحكمين في مفاصل النسيج الاقتصادي، فيما توالت الضربات الموجعة والموجهة للقدرة الشرائية للعموم الكادحين.
لقد حان الوقت أن يلتف الجميع حول إرادة عاهل البلاد بحثا في نموذج تنموي جديد، ومشروع للدولة الاجتماعية في حماية كل مواطنيها حماية اجتماعية كاملة، تعزز الاستقرار وتفتح الطريق نحو المشاركة والمساهمة في عمليات البناء الاقتصادي الحداثي، وتقليص الهوة بين الفوارق الاجتماعية الفاحشة لضمان وتقوية صمامات الأمان من أجل الانتصار للوطن.