الطريق إلى الدولة الاجتماعية
هذا هو الرهان القوي الذي يسير فيه المغرب، نحو التأسيس للدولة الاجتماعية، بعدما تطلب أمر بناء المؤسسات الوطنية، أشواطا من الصراع الذي اتخذ في بعض الفترات من تاريخنا الوطني، أشكالا عنيفة بين الدولة والقوى الوطنية اليسارية.
وفي كل هذه المراحل لم يكن إجماع الأمة على ثوبتها، محط نقاش باعتبارها موروثا تاريخيا لاختيارات وطنية عمرت 13 قرنا، أنتج فيها المغاربة هويتهم الخاصة، ثقافيا وحضاريا نلمسها في الطبوع المغربية واللغة والقراءة والخط المغربي والمأكل والملبس والمعمار.
لكن لا ننسى أن المغرب على الدوام ظل منفتحا على الثقافة الغربية في أبعادها الكونية، وهذه المثاقفة أنتجت أدبا رفيعا مكتوبا باللغة الفرنسية، تشبع بقيم الحرية والعدالة الاجتماعية وأكثر من كل هذا كان المتنورون الفرنسيون في بداية القرن 20 حملوا معهم الأفكار الاشتراكية وساهموا إلى جانب شباب المرحلة من المغاربة في التأسيس لحركة نقابية، لم تتردد فيه خوض الكفاحات الاجتماعية والتي أثمرت نظاما من الضمان الاجتماعي كان متقدما في مكاسبه على العديد من البلدان العربية والافريقية، وهي التجربة التي ساهم فيها الاتحاد المغربي للشغل بقوة وعمل على إرساء بنيات الخدمات الصحية والاستشفائية لفائدة الأجراء.
إذن اليوم هذه هي المصوغات لبناء الدولة الاجتماعية، وجاء المشروع الملكي في الحماية الاجتماعية لتعزيز هذه التوجهات.
إن كان الإطار السياسي العام في البلاد بتوجهاته الاستراتيجية يستحضر هذه الرهانات، فلا نعتقد أن طبيعة التحالف الحكومي المشكل من اليمين الليبرالي يمكنه، أن يعجل بوتيرة العمل لتحقيق هذه التطلعات، وإن تمثلها على مستوى خطابه السياسي، لأن طموحه الواقعي والطبيعي هو الدفاع عن مصالح القوى والتشكيلات الاجتماعية التي يمثلها، هنا الحركات الاجتماعية ونشطائها من يمكنهم التأثير في مواقف الحكومة لتستحضر في سياساتها العمومية إحداث التوازنات الاجتماعية المطلوبة. وأن تظل على نفس مساحة الحياد بين الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين وأن لا تغلب كفة على أخرى كما عشناه في تجارب الحكومات السابقة والتي ظلت تنزاح على الدوام للرأسمال وتعمل على تشجيعه في الوقت الذي ظل فيه جزء كبير من المالية العمومية يتغذى على الضريبة على الأجور التي تقتطع مباشرة من المنابع.. في الوقت الذي ظلت فيه مداخيل فئات عديدة غير خاضعة للضريبة وفق المداخيل السنوية الفعلية، وهو وضع يمس المهن الليبرالية.
لذا إن الطموح المشروع في التأسيس للدولة الاجتماعية، لن يتأتى إلا بإنتاج الثراء وأن مدخل الثراء ومراكمته إلا بالتشجيع على النسب المائوية المرتفعة للناتج الوطني الخام. ومرتبط أيضا بالوعي الاجتماعي ومدى انخراطه في قضايا التقدم الاقتصادي وتوسيع دائرة المشاركة الاجتماعية.