الحاجة لنموذج تنموي جديد تقتضي الحاجة للتغيير
الوجوه التي تعاقبت على تدبير الشأن العمومي، محليا وجهويا ووطنيا، لم تعد قادرة على أكثر مما أعطته منذ سنوات، ومن باب السذاجة السياسية أن نصدق بأن هذه الوجوه بالذات، والتي اعتبرت السياسة مجالا للثراء، وبالفعل غيرت من أوضاعها وأحوالها الاجتماعية، أن تحدث اليوم القطيعة على ما تربت عليها..
إنها جزء من الأزمات التي مررنا بها، ولن يكون بوسعها أن تغير وجهة أهدافها إلى مائة وثمانين درجة، وهي التي تحن وفي كل استحقاقات العودة، ولو تطلب منها الأمر، البحث عن حزب آخر لتسويق الأوهام للناس.
كيف تعاطت هذه المخلوقات مع النموذج التنموي الجديد، تلقفت صيغه ولكأنها اكتشفت لأول مرة العجلة.
لن يكون بوسع الآمال أن تحيا في النفوس، إلا إذا اقتنع هؤلاء بضرورة الانسحاب من المشهد الاجتماعي والسياسي، والذي غرسوا فيه جذور المصالح القوية، وبالتالي تحالفوا لقطع الطريق على الشباب التواق للحرية والمشاركة في تدبير قضايا عصره، والذي لم يجد له من مأوى سوى اللجوء لفضاءات التواصل الاجتماعي، بعدما عملت كل القوى السياسية على هدم أمال حركة 20 فبراير، هذه الحركة التي قادها الحماس والاندفاع الحيوي للشباب، لكنها في عمقها كانت تفتقر لمشروع اجتماعي وسياسي قادر على التجاوب مع تحديات المرحلة.
غير أن هذا الشباب المغيب سياسيا، ولم تقو أي قوة سياسية وحزبية على احتضانه، نجد له مشاركات واسعة في الحياة الاقتصادية، بما يمتلكونه من قدرات وكفاءات علمية ومعرفية، وله حضور بارز في المنتديات العلمية، إلا السياسية التي تظل حكرا على الكبار وعلى الرواد الذين شاخت بهم الأيام.
اليوم نجد بعض هؤلاء، يراهنون على دخول معترك الاستحقاقات الجماعية، بلوائح مستقلة للتعبير عن سخطهم على هذه التنظيمات التي لا زالت تصر أن لا تزكي إلا هؤلاء الرحل من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين، ويحكمون على وطن برمته بالعقم السياسي.
ولماذا يصرون على تبادل الأدوار، لأن السياسية باتت حرفة لمن لم يقو على إدارة مشروع له، أو فشل في الدفع به نحو الإنتاج، فلم يجد سوى السياسة، لكي تكون له المدخل الطبيعي لمراكمة الأموال والعيش على الريع.
حان الوقت لنجرم، هذا الأسلوب، انطلاقا من القناعة، أن الناس يقبلون على السياسة بطواعية واختيار وليس لهم الحق، في أن يظلوا عالة على المجتمع، ويتربصون بالمال العام، وهو المسار الذي وصل منتهاه ،وكره معه، الناس في السياسة بالرغم من فضائلها ونبلها في المجتمعات، لتخرج الناس من ضائقة الأوضاع، إلى إنتاج الخيرات والثراء والعمل على رفاهية المجتمع وتدبير تناقضاته واحتوائها قبل أن تصير قنابل اجتماعية موقوتة.