الإعلام والمعرفة
أمام المغرب اليوم فرص هائلة، لإحداث القطيعة مع ماض ولى دون رجعة، للتصدي للخصاص والهشاشة وللنهوض بأوضاع الناس، وتمكينهم من المشاركة الكاملة في الحياة الاجتماعية والاستفادة من ثمار عائداتها.
ومكنت عقود من الزمن، لإدراك أن عمليات النمو التي حققت قفزات نوعية في المغرب المعاصر، خلفت معها هوامش وأحزمة بؤس، في مجالات دون غيرها واستحوذ الثراء على أقطاب دون سواها، وهو ما ظل على مدى سنوات يثير احتجاجات اجتماعية، في وطن كلنا نتقاسم فيه حبا لا يساوم عليه أي كان.
المؤسسة الملكية، أحسنت إنصاتها لنبض المجتمع، وعملت على قيادة ثورة هادئة وناعمة، بالإعلان عن فشل المقاربات القديمة، ودعت المجتمع بكل أطيافه، إلى الاعتكاف على صياغة نموذج تنموي جديد يعيد الاعتبار للإنسان كمحور وموضوع في ذات الآن.
الاعلام الوطني، في قطبه العمومي، لم يتعاطى بالجرأة المطلوب لمواكبة التحولات العميقة للمجتمع المغربي، والمساهمة في النقاشات، وصياغة المقدمات المشروعة لهذه التحولات، التي كانت الغلبة لمظاهرها في بعض المدن المغربية، كطنجة والرباط والبيضاء ومراكش ومدن الجنوب المغربي، وهي مظاهر قوية للحداثة، التي غدت تعمر أمام أعيننا في البنيات الطرقية الحديثة والصناعات الناشئة في الطيران وقطاع السيارات والتكنولوجيات الرقمية.
وبرز جيل جديد من الشباب، أكثر انفتاحا على اقتصاد المعرفة، ويساهم بمضامين جديدة للتعبير عن تطلعاته، على ما ينبغي أن يكون عليه هذا المغرب الصاعد، في عالم تتضارب فيه مصالح القوى المهيمنة بقوة، لكن البلاد وبفضل عاهلها كان لها السبق بوظائفها الدستورية في التعاطي مع الإصلاحات، والخروج بفرق عمل من طاقات مغربية خلاقة، لإدارة الملفات الحارقة على الواجهة الدبلوماسية أو تلك التي ترتبط بتوجهات تحديث المنظومة الإنتاجية بالبلاد وتمكينها من استقطاب الرساميل الأجنبية، مع توفير أسس الحماية من أسواق تقليدية مماثلة لاقتصادنا الوطني في مصر وتركيا، أو مع المواقف التقليدية لأروبا الغربية التي لم يعد لها ذاك الحضور القديم الذي يحصد المنافع لوحده.
الإعلام لم ينفتح على هذه الجبهات، لاستحضار تحدياته بالجرأة المطلوبة ولتنوير الناس بعيدا عن تلك الأيديولوجيات القديمة، التي تنزع إلى الركوب على العواطف وتبرير ما لم يعد بالإمكان تبريره، كما فعل البعض مع التطبيع مع دولة إسرائيل.
ومن يريد الوقوف ضد التطلعات، فهو بدون شك يراهن على مظاهر التخلف ليقتات منها وينتعش من ركام مآسيها.
المطلوب أكثر من أي وقت مضى أن يذهب الانفتاح مع المؤسسات الرائدة في المعرفة، وتبادل الخبرات معها، دون جمود عقائدي.
هناك من يريد أن يلعب هذه الأدوار، إعلام جديد يستفيد من التقدم التكنولوجي في الوسائط الرقيمة، لكن يتم التصدي له بقوانين في النشر، لم يعد لها من مبرر سوى كبح جماح توسيع الحريات وإحاطتها بالضمانات القوية، لتكون مرافقا لهذا المغرب الذي تغيرت في أمور عديدة، وبتطلعات مغايرة نحو مزيد من الديمقراطية وتحقيق روابط المشاركة في صناعة القرارات الوطنية.
الإعلام الوطني بتنوع كل فسيفسائه، عليه الإقبال دون مزيد من التأخر، للتعاطي مع الاحتياجات الجديدة من المادة الخبرية، التي تساعد على أن نعيش في زمنا وأن نتفاعل مع قضاياه المصرية، وهو زمن معرفي بالأساس والغلبة فيه لمن يمتلك المعرفة في جوانبها العقلانية، ولمن يمتلك المعلومة ويحسن توظيفها لتنوير عقول الناس.