افتتاحية 24 : لماذا التغيير متمنع في المغرب؟

افتتاحية 24 : لماذا التغيير متمنع في المغرب؟
بقلم فؤاد الجعيدي

أين أصل الداء في عدم إنجاز التغييرات السياسية المطلوبة في مغرب اليوم؟ لنقلها صراحة وبكل شجاعة ومسؤولية وأمانة تاريخية. إنها الأحزاب الوطنية وقوى الصف الديمقراطي هي التي أجهضت التغيير بتخليها عن ارتباطاتها الجماهيرية، في تأطير القوى التي من مصلحتها التغيير.
ليس الأمر شكا أو رؤية عدمية، بل ما نشهده اليوم داخل الأحزاب السياسية بمختلف أطيافها من صراعات داخلية، نعتبره التجلي الواضح لسيطرة النزعات الذاتية للتحكم في مفاصل القرار الحزبي خارج كل أعراف الممارسات الديمقراطية.
وهذا الوضع الذي تشكل فيه الأحزاب الأزمة العميقة للمجتمع، لا ينتظر منها أن تأتي بالحلول للقضايا المطروحة على الجبهات الاجتماعية.
باتت البلاغات التي تصدر عن بعض القوى السياسية، يتعلق أمرها باستنكار هذا الطرف أو ذاك في نفس الحزب، للهيمنة والاقصاء واشتدت الظاهرة، ونحن على مشارف الاستحقاقات المقبلة.
الصراعات تنشأ داخل القيادات وتمتد نيرانها إلى القواعد الحزبية والتي في هذا السياق، لا تراهن على مناضليها في خوض الانتخابات كمحطة تاريخية في الصراع الاجتماعي للتعريف ببرامجها ومشاريعها، بل تذهب الحسابات إلى التفكير في من سيضمن المقعد المقبل للحزب، ومن خلال هذه المعادلة يسترد الحزب أنفاسه لإحصاء الأصوات التي سيلعب بها سياسيا وتنظيميا في إظهار مكانته المغشوشة في المشهد السياسي.
إننا إزاء أزمة بكل المقاييس، والكل صامت عليها أو متواطئ معها ولا يعترف في الواقع بأننا لا نتقدم في ما تقتضيه قضايا الوطن من تراكمات.
والنتيجة الحتمية أن فوز مرشح لا تربطه بالحزب أي قناعات مبدئية، سرعان ما يصد عن الحزب في عمليات التصويت ويزايد بها مع جهات أخرى، لقضاء مآربه.
لذا ليس من الغرابة في شيء أن نجد محترفو الكراسي التمثيلية، يتنقلون بين الأحزاب وباتت الأحزاب تخطب ود من يأتيها على طبق من ذهب بالمقعد الذي تقام حوله الدنيا ولا تقعد.
الضامنون للمقاعد، لهم سلطة المال فقط، والتي لا زالت تعتبر من العوامل التي تحسم السباق المحموم إلى كراسي التمثيلية الجماعية أو البرلمانية، وهم في الغالب لا يمثلون اتجاهات فكرية أو سياسية حقيقة بل هم مستثمرون في الحقل السياسي بما يعود عليهم بالمنافع الشخصية أو حماية مصالحهم الذاتية، ليس إلا.
صحيح عشنا زمنا خرجت فيه معظم القوى السياسية بالمغرب، من رحم الكفاح، وأفرزت مناضلين عاشوا المحن والسجون، وهذه النخب على مدى سنوات الاستقلال توارثت المناصب السياسية، ونسجت حولها علاقات عائلية بالمصاهرة وباتت تحتاج إلى ملء الخزانات الحزبية، بالمناضلين الذين يجيدون جر العربة الحزبية، في التظاهرات والتجمعات الحزبية، والذين يهتفون بالشعارات ويوزعون البلاغات في الطرقات والأحياء والمؤسسات، لكن في ساعات التفاوض، يأتي الزعيم وزمرته العائلية للدفاع على المصالح الأنانية الضيقة، وفي غياب استحضار هموم وطن برمته.
الاستكانة للمواقع المتحكمة في التنظيمات الحزبية، غدت تحول دون إحداث التغيرات المطلوبة والمرافقة للمغرب، سنة عن سنة تبتعد البلاد عن تلك المشاعر التي أطرت وجداننا الجماعي والنضالي في انتسابها إلى معركة التحرير.
بعد سبعة عقود من الاستقلال، تغيرت كثيرا التشكيلات الاجتماعية بالمغرب، صار فيه للشباب ذكورا وإناثا تطلعات لم تعهدها الأجيال السابقة، ارتفعت نسب الوعي بقوة، بحكم المستويات الجامعية التي يراكمها الشباب وانفتاحهم على الثقافات الإنسانية وحضارات الشعوب، لكنهم على المستوى السياسي، لا يجدون استقطابا من القوى السياسية، نضرب مثلا صارخا لخريجي المدارس الوطنية للتجارة، كانوا أكثر الشباب انفتاحا على مواجهة الهشاشة الاجتماعية، يطلبون الدعم في المدن ويتوجهون به لإصلاح المدارس ومواجهة الهدر بها سيما في المناطق الريفية، بعضهم نجح في إدارة مشاريعه الخاصة في خلق المقاولات، لكنهم سياسيا لا يقتربون من الأحزاب ولا يطرقون أبوابها الموصدة والتي لا تفتح إلا مع اقتراب الاستحقاقات.
المثقفون بالضرورة، يشملهم الإقصاء من الأحزاب لا يرضون لأنفسهم الجلوس في مقعد أمامي، لينصتوا لزعيم يفهم في الصحة والتعليم والاقتصاد والاجتماع وكل الفروع المعرفية المعاصرة، ويتحدث عن التكنولوجيا الرقمية وثورتها وهو لا يجيد استخدام أبسط البرامج المعلوماتية، ولا يستند في تدبيره اليومي على نظم التكنولوجيا التي هو بها جاهل ولا يرف له جفن للحديث في تطوراتها.
المدخل الأساسي للتغيير يبدأ من تغيير البنيات التنظيمية للأحزاب وتعزيز حقوق المناضلين، في التعبير عن آرائهم والاستناد والاحتكام لآليات التصويت الحر، بعيدا عن منطق أن الزعيم هو الذي يقرر، وخارج كل الهيئات التقريرية للتنظيم، وهو الذي يعين الرقاصين بين الفروع الحزبية وتوجيه التعليمات التي لا تقو على ملاحقة التطورات الجارية في الواقع المحلي والجهوي.
المدخل الأساسي هي أن تعود الأحزاب للاشتغال اليومي مع وبجانب الناس وليس إصدار الأوامر للقطيع، الذي لا يجب بالضرورة أن يتحدى رؤى الزعيم في التدبير المطلق.
لقد طال تحقيق الانتقال الديمقراطي أكثر من اللازم لكن عوامل فرملته تعود أولا وأخير للأحزاب، وخير دليل على ذلك أن صدور زعمائها لا تتسع لسماع أصوات المعبرين على هموم الناس.
وكما تخلت وتخلصت من المناضلين، عملت بقوة على قطع أواصرها وصم آذانها على الحراك الذي يستيقظ بين الفينة والأخرى في هذه المنطقة أو تلك للتعبير على ضيق حال المواطنين، بانعدام الشغل وضبابة الأفاق التي عجزت فيها الأحزاب عن إحياء الآمال في النفوس بسياسات تجديد، تستهدف تقليص الفوارق بين المجالات والناس.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *