افتتاحية 24: طرائف المنع بالمغرب

افتتاحية 24: طرائف المنع بالمغرب
بقلم فؤاد الجعيدي

يعتقد الناس اليوم بالمغرب، أن المنع الذي يطال بعض النشطاء في قضايا إنسانية، هو مشابه ومماثل لما كان يحدث في سنوات الجمر والرصاص، ليست الأمر كذلك.
دليلي وبرهاني وحجتي، أن بعض الإخوة الذين ينتمون لدائرة الاشتغال بالهموم الفكرية في جوانبها الفلسفية، وضعوا لدى السلطات منذ زمان طلبا للحصول على ترخيص لجمعية تعنى بالسعادة، الواقع أن السعادة يبحث عنها الناس في الحياة ولا يعثرون لها سوى على تجليات في كثير من الأحيان يربطونها بالمال والجاه والسلطة والمواقع الاجتماعية ذات الحظوة.
لكن السعادة، قليلا ما يعثر عليها الناس في الحياة، جميعنا يشكو من نقيضها المباشر في هذه الكآبة والتوترات اليومية، التي تجثم بأثقال من الهموم على الصدور وتخنق الأنفاس، وتشد عضلات الوجوه وتعدم بسمات الشفاه.
لا أشعر بالسعادة إلا حين أصادف مراكشيا أو حين أكون في حضرة أهل مراكش. المراكشيون بالفطرة سعداء، من يعاشرهم يصير سعيدا، رأيت معنى السعادة في الحدائق والنخيل ووجوه السياح الذين يجعولون من مراكش وجهتهم المفضلة. المراكشيون يواجهون الحياة بالسخرية ويضحكون من قلوبهم على أشد الجمل تفاهة لكنهم يكتشفون فيها ما يستحق توليد السعادة.
المراكشيون لا يخجلون وحين يجتمعون ينسجون السعادة بضبط ايقاعاتها بالأيادي والإنشاد والتغني، ويختارون لها النزاهة على كؤوس الشاي.
أجزم أن هذه السعادة تولد من أصول تراث لا مادي ظل له حضوره الأبدي، في البيوت المراكشية وفي محلات الصناع التقليدين وسائر الحرفيين بالمدينة.
لكن لما يمنع البحث في السعادة؟ ربما هو الخوف علينا، لو بتنا سعداء ستصير مشكلة اجتماعية كبرى، لدى الناس الذين راكموا الثروات وحرموا من السعادة. لا حظوا معي رجال السياسة إنهم البشر الأكثر عرضة للقلق، لا يبتسمون ولا يضحكون من قلوبهم، نتأكد من ذلك في حالات الغضب التي تصيبهم، مثلما وقع لزعيم سياسي حين قال لرفيق له ( سير تقود علي ) أو حين قال كبير فينا لامرأة ( ديالي كبير عليك ) أو حين يرتبك رئيس حكومتنا أمام الأسئلة، وتختلط عليه الضحكة وتمتزج بالقلق والدوخة، فنكتشف أنه ليس سعيدا بهذا المنصب الذي سلط عليه، ربما لا ينام كما يجب ولا يتمتع بالراحة التي هي وعاء تحل به السعادة، ويشعر معها الإنسان بالرضا والراحة.
بخلاف العمال الذين يكدحون ويبيعون عرقهم لأرباب العمل، تجدهم يحققون سعادتهم حين ينتصرون لمطالبهم العادلة، يحتفلون بالانتصار كما الجنود القدامى الذين عادوا من جبهات تحرير الأوطان.
العامل حين يعود من تعب اليوم، وقد وفر الرغيف لأفواه أطفاله تغمره السعادة، وهو يداعب طفله بين يديه ويعيش أحلامه في اقتناء البدلة الرياضية التي يصير داخلها يتقاسم أمجاد لاعبه المفضل.
النجاحات الصغيرة في معترك الحياة تصير سعادة، لكن لم أر شقاء وتعاسة مثل التي رأيتها في وجوه أولئك الذين يسوقون للناس الدين بالخوف من العذاب، وينسون سماحة هذا الدين في قيمه المثلى التي تخلق للناس الطمأنينة وتصد عنهم القلق والفزع والمخاوف، حيث الله يرزق الناس أرزاقهم ويهيئ لهم السبل، لكن يدعوهم إلى مدارك النفس الراضية المطمئنة.
لكن من يظل يطارد السحت ويقتات منه، هل يدرك السعادة ؟ هذا هو السؤال الذي يجب التأمل فيه واستحضاره بالتفكير الهادئ والوازن والعميق.
تأملوا أوضاع السياسيين الذين اختفوا من المناصب واستقروا ببيوتهم، يأخذهم قلق فظيع في الرغبة للعودة بالظهور، بات البعض منهم يشتاق للظهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتذكيرنا بأنه لا زال حيا يرزق ولا زال له لسان طويل يتفوه بالوعظ ولم يتعظ، لكنه يخفي ما أصابه في هذه الحياة التي هي فتنة إن لم نحسن التصدي لها بالتفكير في طرق المؤدية للسعادة.
ولم أر خير مثال من مشهد رأيته قرب محطة الحافلات، شاب في وضعية إعاقة، اشترى علبة لبن محلى وكلما رشف منها أخذه الضحك والفرح والرضا والمتعة وكلما ازداد ارتواء من اللبن المحلى تأمل وعاءه البلاستيكي ورفع عينيه إلى السماء انتشاء.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *