افتتاحية مجلة 24: ما العمل؟

افتتاحية مجلة 24: ما العمل؟
بقلم فؤاد الجعيدي

عشت في حزب يساري، أتيت إلى حضنه من أحضان امرأة أرملة، لمواجهة الظلم الاجتماعي، والحاجة التي لم تكن لي يد فيها، خصاص مس طفولتي وأحلامي، ثم حرمني العيش واللهو مثل أقراني.
في هذا الحزب اليساري، تعرفت على رجال، حكوا لي حكايات عن التعذيب، في غياهب السجون والمعتقلات السرية، ولم يبيعوا أنفسهم في أحلك الظروف، ولم ينهاروا أمام المساومات، والإغراءات ولم وينبطحوا للوعود بعطايا وامتيازات.
تعلمت منهم، كل هذه القيم، ونحن نحضر للثورة الوطنية الديمقراطية، كنا نتسلح لها، بدروس بيداغوجية خاصة، تعلمنا منها معنى الحزب، والتشكيلات الاجتماعية، والصراع بين الطبقات، ولمن تكون الغلبة، ولمن يكون القهر، وتعلمنا أيضا الجوانب المتنورة، في الفكر البرجوازي، وما أصابه من انحرافات، لما تحكمت البرجوازية في مفاصل الثروة، وتحولت بجشعها إلى امبريالية، تتخطى الحدود وتحكم قبضتها على الشعوب.. ثم تعلمنا أن المستقبل، هو للطبقة العاملة، حاملة مشعل التقدم والرفاه الاجتماعي، وهي التي ستظل تكافح من أجل العود بالعلاقات الاجتماعية، إلى صفاء أصولها، قبل انتشار وسيادة منطق الملكية، الذي يقصي الناس ويعمل على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان بأبشع الطرق، تهدر فيها الكرامة ويغيب عنها العدل.
هذه التطلعات، قادتني للنضال واستقطاب من أعاشرهم، من يقطنون بحينا، من أعمل بجانبهم، في المؤسسات التي اشتغلت بها. ولم أكتف بكل هذا، بل بت أكتب مقالات، من هموم الناس من قضاياهم اليومية، وأشعر بالنشوة، لما أنتصر لهم في حقوقهم، كانت إنجازات بسيطة، لكنني كنت أجد في الجواب عن معنى فاعلية النضال وجدواه.
لما تغيرت الظروف، ولم يعد الحزب معارضة، بات يتم انتقاء من سيستمر، ومن تقتضي الظروف فصله، عن هذا الإرث الذي ساهم فيه لعقود.
صارت الشجرة التي نبتنا من فروعها، ترمي بنا أوراقا بعد أن جفت مياه الارتباط بها. عشرات الوجوه فصلت، وفي كل محطة كان يأتي الدور على الآخرين، إلى أن تغير جلد الحزب بالوافدين الجدد وتكاثروا، صارت الحظوة، لمن يملك إمكانيات بالمال، وليس الإيمان بالمبادئ التي مات من أجلها، رجال تحت السياط أو فقدوا بعضا من قدراتهم الجسدية.
في ظل هذه الظروف، بدأ السؤال المشروع يراودنا، ما العمل؟ ولا زلنا نملك من الطاقة، ما لا يجوز هدره، من أجل المساهمة في رقي بلدنا، وحماية المستضعفين به، من كل الشطحات التي يركبها البعض ويصورها للناس كأنها الحقيقة، المغلفة بالإيديولوجيات السمجة، التي تتعب في تبرير العالم، إنما تظل العبرة بتغييره والتأثير في أحوال الناس نحو الأفضل.
لذا قررنا العودة إلى ينابيع البحث، في خلق يسار جديد، لا يعيد إنتاج آليات الفصل والطرد لكل من تشبث بحقه الطبيعي، في التعبير عن آرائه ومواقفه، وقد اقتنعنا أن الطبيعة لا تقبل الفراغ ولا تستثنينا من التواجد في الجبهات التي نؤمن بضرورة الحضور فيها للتأثير الإيجابي في مجريات تطوراتها.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *