افتتاحية مجلة 24: في ذكراها العاشرة، ما الذي تبقى من حركة 20 فبراير ؟
حركة 20 فبراير لم تكن، تمتلك تصورا سياسيا، واضحا لأفق مشروع مجتمع جديد، تتقلص فيه الفوارق والتناقضات الطبقية.
حركة 20 فبراير، رفعت شعارات أبرزها ارحل، وكانت في مجمل مطالبها تعبر عن القلق المجتمعي، وعن الخيبات والانتكاسات ،التي تعرض إليها الشعب، في ولوج عصر الديمقراطية الحقة، والعدالة الاجتماعية واحترام كرامة الإنسان والتوزيع العادل للمقدرات الوطنية.
حركة 20 فبراير، تلاقت مع كل حركات الربيع العربي، والتي عرضت العديد من الشعوب العربية، إلى انتكاسات قوية، بسيطرة قوى الظلام، والحركات اليمينة على المشهد السياسي في أغلب البلدان..
وأخطر من كل هذا، أدت إلى تراجع التنظيمات النقابية العمالية، وإضعاف تأثيرها في عمليات الصراع الطبقي.
حركة 20 فبراير، كما الشأن لمجموع الحركات العالمية، والعربية أتت في سياق دولي معين، حيث الأحزاب بمختلف مشاربها، من اليمين أو اليسار انخرطت في هيمنة قيم اقتصاد السوق، وتراجعها عن المكاسب التي حققتها الحركات العمالية العالمية، في مواجهة الاستغلال الرأسمالي ( الحماية الاجتماعية للمأجورين، التقاعد ..) واستهداف المرافق العمومية بخوصصتها في الصحة والتعليم.
برامج كل الأحزاب العالمية، في أمريكا اللاتينية وأروبا الغربية والشرق والغرب العربي، أحكمت عليها السيطرة المراكز المالية العالمية، وبالتالي وجدت الشعوب ضالتها في اتخاذ الساحات العمومية للاحتجاج على هذه الأوضاع الاجتماعية الجديدة.
في هذه الظروف، لم تعد تنظيمات الأحزاب بشكلها التقليدي تغري بالانخراط، وباتت الاختيارات الديمقراطية، توجه إرادة الناخبين نحو أسماء مغمورة، كما حدث في فرنسا وتونس.
وبالعودة إلى حركة 20 فبراير ما الذي تتحقق اليوم من شعاراتها؟
الالتفاف على مطالبها بما خدم أجندات القوى السياسية الفاعلة في المشهد الوطني المغربي، التي أدركت كيف تساوم للحفاظ على بنياتها العجوز.
التراجع عن المكاسب في حرية التعبير والعودة إلى الاعتقالات والمحاكمات السياسية.
تحميل المواطنين تبعات الأزمات المالية، وارتفاع المديونة( الزيادة في أسعار الطاقة والمحروقات وتدني خدمات الصحة والتعليم العمومي.. والالتفاف على مدخرات العمال في التقاعد..)
القوى المهيمنة على الاقتصاد الوطني، ازدادت ثراء في ظل هذه الأزمات.
استمرار الاحتجاج الاجتماعي، وانتقاله من منطقة إلى أخرى خارج سيطرة الأحزاب وصمتها على المحاكمات.
أزمة النموذج المغربي، بلغت أوجها في ظل غياب رؤى سياسية بديلة تقدم مشاريع مجتمعية واضحة التصورات في جوانبها المالية للخروج من عنق الزجاجة.
استمرار الريع والفساد، وتعطيل كل محاسبة.
إن من أهم الخلاصات التي نستنتجها اليوم، هو أن الاتجاه اليميني والموغل في المحافظة، والذي تزعمه حزب العدالة والتنمية، خرج منتصرا وتحكم في تدبير الشأن العمومي منذ سنة 2011، وعمل على تعميق أزمات المغرب، وشكل الأداة السياسية التنظيمية، لمواجهة تطلعات الجماهير الشعبية في التغيير الحقيقي، لأوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، حيث ظلت المطالب على مدى عقدين من الزمن تراوح مكانها، بل إن الأزمات المفتعلة من سوء التدبير السياسي بلغت أوجها، في الاعتراف الرسمي بفشل نماذج المقاربات المنتهجة، والتي عمقت الفوارق الطبقية، وعملت على انهيار الطبقة المتوسطة.
وبدون أي غلو في الرؤية، اليوم هناك إجماع وطني، على أن المغرب له من الإمكانيات الطبيعية، والبشرية ما يؤهله لأن يكون من الدول الصاعدة في افريقيا الحديثة، التي استنتجت دروسها مما مرت به من حروب وصراعات اثنية وعقائدية لم تنشر سوى الخراب والمجاعات.
افريقيا الناهضة من جراحها القديمة، والتي أدركت أن الفقر في أي مكان يهدد الرخاء في كل مكان، لذا تراهن اليوم على أفق جديد يتجاوز الاصطدام بين الشعوب، ويتوق إلى التعاون المثمر وتعزيز الصداقة والسلام بالقارة السمراء.
هل نخبنا السياسية، قادرة اليوم على التعاطي مع هذه الأوضاع الجديدة؟ وهل لها ما يكفي من الجرأة والشجاعة السياسية للاعتراف بمدى مسؤولياتها في صناعة هذا الإحباط الاجتماعي، وبالأخص عند الشباب ؟ هل ستكون في الموعد والحضور الفاعل لقيادة انتظارات المواطنين، وطمأنتهم في تجاوز الأزمات التي أنتجت البؤس والحرمان من الحق في استقرار اجتماعي يليق بالمغاربة وحجم تضحياتهم.
إننا على مواعيد سياسية جديدة، ولم تظهر بعد في الأفق مؤشرات في التنظيمات السياسية، لتجاوز منطق توصيف الأزمات الاجتماعية، والتي هي من صنع بعضها، ولم تعمد لتدبير تناقضاتها الداخلية على أسس احترام الديمقراطية في صفوفها وبين أعضائها، وهو ما يزيد الوضع قلقا، على مستقبل التعاطي السياسي، مع قضايا الوطن والمواطنين. والتأجيل المستمر لعدم الخوض الحقيقي في النموذج التنموي القادم، لترميم التصدعات الاجتماعية وتقليص فوارقها الطبقية. وهي المهام التي لم يعمل المستفيدون سياسيا من حراك حركة 20 سوى على تأخير إنجازها.