أنا جد حزين يا ميساء من قول حق يراد به باطل
ميساء سلامة، سيدتي الفاضلة، التي اختارت أن تخاطب ملك البلاد. وتعلن عن دعوة الشباب، لمقاطعة الانتخابات إذا لم….
كل من له أبجديات الفهم السياسي، سيدرك دون عناء أن الرسالة هي من مربع ما، اختار لاعتبارات متعددة صوتك، ليمرر رسائل في هذا الوقت بالذات، وليتموقع فوق جهود كل الأطراف السياسية والنقابية والفاعلين الاقتصادين والمجتمع المدني الذي عرف في بنياته تحولات مهمة، وفوق صراع الطبقات الذي علمنا التاريخ فيه تتصارع وتتناحر الطبقات من أجل حماية مصالحها الحيوية. ولسنا استثناء في الظاهرة.
لكن ما تعتقدين أنه الحل السحري، آسف للقول، إن المؤسسة الملكية، لها أدوارها وهذه المؤسسة بالذات مشهود لها اليوم من الداخل والخارج، أنها تقود ثورة ناعمة على المستوى الحقوقي والاجتماعي والاقتصادي، وتساعد على نضج المفاهيم ومساعدة المجتمع في فتراته الانتقالية التي طالت أكثر مما ينبغي، وللأمر أسباب وخلفيات ومصالح مرتبطة أساسا بطبيعة نضج أوضاعنا الوطنية.
هذه الأوضاع التي أدركناها اليوم، هي من ثمار مسلسل ديمقراطي شاق وطويل، ابتدأ من خمسينيات القرن الماضي، وراكمت فيه الجماهير الشعبية، وقواها الحية تضحيات جسام، قد اطلعت على بعض من صورها وملاحمها، والتي وقفت عندها أطراف المجتمع المغربي، في مصالحة شجاعة وقوية، للاعتراف بمسؤولية الدولة في الاعتقالات والمحاكمات والسجون السرية، لكن ظل الشعب المغربي العظيم، يحمل آمالا في الانتصار إلى حقوقه وصيانة مكاسبه، ولو في فترات الردة بحكم جاهزية البنيات الاجتماعية التقليدية للممارسة التأثير والنزوع نحو المحافظة.
لنقلها بالصراحة المطلوبة، أوضاعنا بالمقارنة بالعديد من الدول العربية، أفضل، والدليل أن السيدة ميساء تخاطب المؤسسة الملكية والتي صاغت والمغاربة ومنذ قرون، مرتكزاتها ولها تراثها اللامادي وتقاليدها، ومن بين الملكيات العريقة في العالم.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال في الصراعات الاجتماعية والتجاذبات اليومية، أن يحل طرف محل آخر، في القيام بأدواره التي توافق عليها المغاربة في دستور مملكتهم، وهو الدستور الذي واكب متغيرات منذ صيغته الأولى.
ما المانع اليوم أن تشكلي حزبا من الشباب، الذين تتكلمين بلسان حالهم، وما الذي يمنعك أن تضعي يديك في هذه العصيدة التي ترينها باردة.
لنقلها بكل الصراحة المطلوبة، التغيير يحتاج إلى قوة جماهيرية وتحالفات بين القوى المؤهلة تاريخيا لإنجاز تطلعات شعبنا العظيم وتضحياته الجسام، ليتبوأ الرخاء المطلوب والرفاه الذي يتمناه.
الوضع السياسي يتجلى فيه، ليس ضعف الأحزاب الوطنية، إنما نواياها الضيقة في اللعب بالعواطف وتجييش الناس، للوصول إلى توزيع المناصب الحكومية بالتوافقات والصفقات السرية والعلنية.
واقعنا الاجتماعي والسياسي هو النتاج المباشر، لمختلف القوى السياسية التي جربناها وكم جربناها، ولم تقو على قيادة التغييرات المطلوبة وإحداث القطيعة مع الريع وتوزيع الكعكة.
عليك أن تبادري بخلق وإنشاء حزب من الشباب المتحمس في مواقع التواصل الاجتماعي وفي المنتديات الشبابية والشباب الجامعي والمثقف والذي يحتل مواقع في المؤسسات الاقتصادية الرائدة، والناجح في إدارة مشاريعه بكفاءة وقدرة على التنافس، بل منهم من استطاع غزو الأسواق الرائدة في أروبا وكندا..
أنا لست من هواة الشعبوية، التقدم والعدالة الاجتماعية والحرية لها شروط، وعلى رأسها وعي الناس بمظالم العلاقات الاجتماعية وما يتحقق فيها من استغلال بشع وسيء للناس، وعليهم في إطاراتهم التنظيمية إحداث ثورة أخرى ناعمة، على الخالدين والحالمين باستمرار هيمنة العلاقات العائلية التي تصدت لرياح التغيير داخل الأحزاب، والتي شاخت وأحدثت القطيعة بينها وبين تأطير الناس بمسؤولية في معاركهم اليومية.
أكبر تحريف وصلنا إليه، كل من ضاقت نفسه أحدث تنسيقية وكأنه يريد تفتيت الصخرة الاجتماعية بقرنين لا يسمنان ولا يغنيان من جوع.
تأطير المجتمع ومرافقته اليومية، ليست مهمة للمؤسسة الملكية. هي مهمة للأحزاب والنقابات وللجمعيات، بالكفاح الديمقراطي المسؤول والبناء.
الذي يرافق الناس، من أجل الفوز بمعارك صغيرة، كما يحدث في مطالب الماء والكهرباء والزيادة في الأجور وضمان العلاجات والمقعد المدرسي للأبناء والشغل للعاطلين.
هنا تكتسب الديمقراطية معانيها ومضامينها في حياة الناس ويشعرون بمنافعها.، بعيدا عن (اذهب أنت وربك..)
والمدخل الأساسي للتقدم هو أن يضمن المجتمع، ويحقق لمواطنيه العيش الكريم، ساعتها سيتعلم الناس المحاسبة.
اليوم المسؤولية كل المسؤولية في الأحزاب والنقابات والحضور الجماهيري الفاعل وليس المنفعل والذي يدرك أن المعركة تبتدئ بالتصدي لشبكات سماسرة الاستحقاقات، ولأصحاب النفوذ والضغط السياسي والذين اكتسبوا سلطتهم من جهل الناس وركبوا على مآسيهم وحاجاتهم الاجتماعية الملحة ليمكنوا الفساد من اكتساب قيم إيجابية..
بناء المجتمعات، يأتي بالنضال وبمزيد من النضال. هذا هو الدرس وهذه هي الخلاصة التي تعلمتها من التاريخ، وأردت أن أتقاسمها مع سيدة فاضلة تدعى ميساء سلامة