سماعات الغش تغزو المدارس المغربية: تجارة خفية تهدد مصداقية الامتحانات

مع اقتراب موسم الامتحانات في المغرب، تطفو على السطح من جديد ظاهرة خطيرة باتت تهدد نزاهة المنظومة التعليمية برمتها، وهي الاتجار في السماعات اللاسلكية المخصصة للغش. هذه الأجهزة الدقيقة، التي تكاد لا تُرى بالعين المجردة عند وضعها في الأذن، أصبحت أداة مفضلة لدى عدد متزايد من التلاميذ والطلبة الذين يبحثون عن طرق ملتوية لاجتياز الامتحانات دون عناء التحصيل الحقيقي.
تعتمد هذه السماعات، التي غالباً ما تدخل إلى البلاد بطرق غير قانونية أو تُركّب محلياً بوسائل بسيطة، على تقنية البلوتوث أو موجات الراديو، وتتصل بهواتف أو أجهزة إرسال صغيرة يتم إخفاؤها بعناية تحت الملابس. ويقوم شخص خارج قاعة الامتحان بقراءة الأجوبة مباشرة إلى التلميذ، الذي يستمع إليها عبر السماعة، دون أن يتمكن المراقبون من كشفه بسهولة. هذه الأجهزة تُعرض للبيع في الخفاء، وتروج بشكل كبير على منصات التواصل الاجتماعي، خصوصاً عبر مجموعات مغلقة على “فيسبوك” و”تيليغرام”، حيث تُسوق بأسماء مستعارة مثل “المساعد الخفي” أو “النجاح الصامت”.
تتراوح أسعار هذه السماعات بين 500 و3000 درهم، حسب نوعها وطبيعة الخدمات المرافقة لها، كالتدريب على الاستعمال، أو توفير شخص يحل الامتحان عن بُعد مقابل أجر إضافي. وقد تطورت هذه الشبكات لتشمل وسطاء متخصصين في التنسيق بين التلميذ و”الخبير”، مع ضمان التوصيل السريع في سرية تامة. ومع ذلك، لا تسلم هذه العمليات من أعين السلطات، حيث شنت الأجهزة الأمنية خلال السنوات الأخيرة عدة حملات مداهمة أفضت إلى تفكيك شبكات متخصصة، وحجز عشرات السماعات الإلكترونية واعتقال المتورطين فيها، بمن فيهم بعض التقنيين ومستخدمي محلات الهواتف.
ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة التربية الوطنية لمحاربة هذه الآفة، من خلال تعزيز التفتيش وتطبيق عقوبات تأديبية صارمة، إلا أن الظاهرة لا تزال تستفحل، مدفوعة بضغط نفسي واجتماعي كبير يعاني منه عدد من التلاميذ وأسرهم. إذ أصبح النجاح، في بعض الأوساط، غاية تبرر الوسيلة، حتى وإن كانت تلك الوسيلة خرقاً صريحاً للقانون والمبادئ التربوية.
يؤكد أساتذة وباحثون أن الحل لا يكمن فقط في تشديد المراقبة، بل يتطلب مقاربة شمولية تشمل التربية على القيم داخل الأسرة والمدرسة، وتحسين جودة التعليم، وتعزيز ثقة التلميذ في نفسه، وخلق مناخ مدرسي سليم يُمكّنه من الإحساس بجدوى الاجتهاد. فحين يصبح الغش أداة شائعة ومقبولة اجتماعياً، نكون قد دخلنا في نفق خطر لا يهدد فقط تكافؤ الفرص، بل مصداقية الشهادة المغربية ومستقبل جيل بأكمله