حين تصبح الصحافة دمًا مباحًا… ومواقف العالم انتقائية

حين تصبح الصحافة دمًا مباحًا… ومواقف العالم انتقائية

 

من كان ينسى صباحًا اهتزّ فيه العالم، حين استُهدف صحافيي شارلي إيبدو في قلب باريس؟ ارتجّت الشوارع، خرجت الجماهير، تحوّلت الأقلام إلى مشاعل، والهتافات إلى دروع. سار القادة في الصفوف الأولى، أيديهم متشابكة، ووجوههم متجهمة.

“أنا شارلي”، قالها الملايين. ترددت في العواصم، وارتفعت فوق البنايات، كأن جرح الصحافة في باريس هو جرح الإنسانية كلّها. لم تكن المسألة مجرّد هجوم، بل مسًّا بقيمة يُفترض أن تكون كونية: حرية التعبير، وحق الصحافي في أن يكون ضميرًا لا يُخنق.

لكن… أين ذاك العالم حين تحوّل الصحافيون في غزة إلى أهداف مرسومة؟ أين “أنا فلان” و”أنا حنان” و”أنا يوسف”؟
لماذا لم نرَ مسيرات الغضب؟ ولا وقفات التضامن؟
لماذا لم تتشابك الأيادي العالمية هذه المرة؟
هل كانت الأقلام أقل شأنا لأنها كُسرت في الشرق؟
أم أن الكاميرا، حين توثق قصف الأطفال لا تهز الضمير كما فعل رسمٌ ساخرٌ في مجلة؟

في غزة، سقط عشرات الصحافيين. لا خطأ، لا صدفة، بل أسماء مكتوبة، وأماكن معلومة، وقذائف ذكية أصابت الهدف بدقة.
لكن العالَم، الذي اعتاد أن يعلو صوته لأجل صحافي فرنسي، ابتلع لسانه أمام دماء الصحافيين الفلسطينيين.
المنابر الغربية صمتت، أو تلعثمت.
القادة غابوا، أو اكتفوا ببيانات باهتة، لا تُغضب القاتل ولا تُنصف الضحية.

الصحافة، في نظر هذا العالم، ليست مبدأ، بل مكيال بمكيالين.
يقدّسونها حين تُشبههم، ويُهمّشونها حين تنتمي لأرض مقاومة.

ومع ذلك، لم تصمت الكاميرات في غزة. لم تهرب الأقلام. لم يتراجع الصوت.
رغم القصف، لا تزال الحكاية تُروى، بصدقٍ لا يحتاج إلى مسيرة ولا إلى وعود زائفة.

الضمير العالمي غاب، لكن الحقيقة بقيت. والعدسة ستظل أقوى من الرصاصة، ولو لحظة واحدة قبل أن تنكسر.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *