القبر رقم 5164… حين يُدفن إنسان بلا اسم جثث مهاجرين سريين تلفظها سواحل سبتة ..

في مشهد مؤلم يُلخص جزءًا من المأساة الإنسانية التي تعيشها ضفاف المتوسط، وُريت جثة مجهولة الثرى يوم 25 يونيو الجاري بمقبرة سيدي امبارك بمدينة سبتة المحتلة، تحت رقم تسلسلي بارد: 5164.
الجثة، التي لفظتها أمواج البحر قبالة منطقة “الألمدَرابا” بتاريخ 19 يونيو، لم تكن سوى أجزاء سفلية لجسد مجهول، لا يُعرف له اسم، ولا جنسية، ولا حتى عمر تقريبي.
الجثة لم يتعرف عليها أحد، ولم يتقدم أي شخص للتبليغ عن اختفائها، ما جعل السلطات الإسبانية تتعامل معها كحالة وفاة مجهولة.
تمت عملية الانتشال تحت إشراف الحرس المدني الإسباني، وبتنسيق مع الشرطة الجنائية، التي قامت بعمليات تشريح دقيقة وجمع عينات من الحمض النووي، على أمل إمكانية المطابقة مستقبلاً مع بيانات مفقودين محتملين.
وفي ظل غياب أي بيانات أو تبليغات من العائلات، أُغلقت القضية، ودُفنت الجثة كما دُفنت عشرات غيرها في السنوات الأخيرة… برقم لا باسم، وبصمت لا بكاء فيه.
حضر مراسم الدفن موظفو المقبرة وبعض سكان الحي المجاور، الذين رغم جهلهم بهوية المتوفى، حرصوا على توديعه بكرامة، في مشهد عفوي عكس ما تبقى من ضمير إنساني.
لكن خلف هذا الوداع الصامت، تختبئ عشرات القصص المشابهة، حيث تشير معطيات حقوقية إلى أن عدد الجثث المجهولة التي تم دفنها في مقابر سبتة فقط خلال سنة 2024 قد تجاوز 30 جثة، فيما تقدّر مصادر أخرى الرقم بما بين 45 إلى 50، في ظل غياب آلية فعالة للتعرف على الهويات.
يقول خبير و باحث في قضايا الهجرة، الغرق لا ينهي القصة إن هذه الظاهرة “تكشف فشل السياسات التنموية ، وعجز برامج الإدماج وخلق الأمل لدى الشباب.
ويضيف الجثث المجهولة في مقابر سبتة ومليلية ليست استثناء، بل عنوان لفشل جماعي؛ فهؤلاء لم يغرقوا فقط، بل غيبوا اجتماعيًا قبل أن يغيبوا جسديا. إنهم ضحايا سياسات تصنع اليأس وتزرع الموت في طريق البحر”.
بينما يستمر نزيف الهجرة غير النظامية، يستمر البحر في لفظ أجساد الحالمين، وتستمر المقابر في استقبالهم كأرقام… لا كأرواح كانت تحلم.
القبر رقم 5164 ليس إلا شاهدًا إضافيًا على مآسي صامتة تتكرر، وأسئلة تزداد ثقلا
من هؤلاء؟ لماذا غادروا؟ من ينتظرهم؟ ومن سيتذكرهم بعد اليوم؟