الرشيدية … عزل قاضي نزيه بسبب تدوينات على حائطه الشخصي بالفيسبوك لم يثبت في حقه أي خرق يسيئ للمهنة

استغربت فعاليات مدنية قيام المجلس الأعلى للسلطة القضائية بعزل قاضي يشغل مهمة نائب لوكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالعيون بسبب تدوينات على حائطه الشخصي بالفيسبوك، يُعبر فيها عن قناعاته الشخصية تجاه المهنة و كذا الواجب الذي يفترض فيه القطع مع كل أشكال الفساد انسجاما مع دستور المملكة الرامي إلى تجويد منظومة القضاء بالمغرب.
وفي سياق متصل أكد الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالعيون أن القاضي عفيف البقالي، والذي عزله المجلس الأعلى للسلطة القضائية من سلك القضاء، معروف لدى الجميع باستقامته وحسن سلوكه سواء مع الموظفين أو مع المرتفقين الوافدين على المحكمة التي يشتغل بها، ولم تسجل في حقه أي شكاية أو خرق يسيئ للمهنة ، ولم يثبت عنه التدخل في أي ملف سواء بمقابل مادي أو من قبيل المحابات لجهة على حساب جهة أخرى.
القرار الرامي للعزل الذي صدر في حق القاضي عفيف البقالي من سلك القضاء من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية بعد تنقيله كعقوبة إنذارية من إبتدائية العيون صوب ابتدائية الرشيدية دون مراعاة وضعه الأسري ، بعدها صدر في حقه العزل النهائي والذي بُني على أساس تدوينات عبر حائطه الشخصي بالفيسبوك، وهو ما اعتبره مهتمون بالواقعة حكم قاسي في حقه ومجحف إلى حد كبير ، لاسيما أن القرار لم يرتكز على تقرير منطقي مقنع من قبيل استغلال المنصب القضائي أو الشطط في استعمال السلطة، أو شكاية خارج أوقات العمل، أو شكايات بسبب سلوك سيئ صدر منه تجاه المرتفقين أو غيرهم.
من جهته كشف عفيف البقالي في بلاغ له، أن “تفاصيل القضية بدأت بعدما أشعرت المجلس الأعلى للسلطة القضائية الموقر ببعض الإخلالات بالمحكمة الابتدائية بالعيون، اعتقادا مني أن هذه الإخلالات ناتجة عن انحرافات أشخاص ليس إلا، وتفعيلا لمناشير ودوريات المجلس المذكور التي تحث القضاة بمكاتبته وتبليغه بملاحظاتهم وتظلماتهم وطلباتهم وما يعترضهم من إشكالات، خصوصا المنشور عدد 34-22، المؤرخ في 14 يونيو 2022”.
وأكد البقالي أنه تفاجأ بقرار نقله من الحكمة الابتدائية بالعيون إلى المحكمة الابتدائية بالراشيدية، بعلة سد الخصاص، مشيرا إلى أن هذا التنقيل” خرق واضح للمادة 77 من النظام الأساسي للقضاة، التي تلزم المجلس الأعلى للسلطة القضائية بضرورة مراعاة القرب الجغرافي والوضعية الاجتماعية للقاضي”.
وتابع قائلا “ويبدو أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية الموقر لم يكتف بهذه العقوبة المقنعة المستترة في قرار النقل، وإنما باشر إجراءات تأديبية في حقي انتهت بعقوبة الانقطاع النهائي عن العمل، وهي في الحقيقة عقوبة عزل أريد لها أن تأخذ شكلا واسما آخرين”.
وأضاف “عقوبة تقررت بعدما واجهني المجلس الموقر بمجموعة من التدوينات اعتبرها موجهة ضد السيد وكيل الملك بالعيون، وهي تدوينات لا تخرج عن الحديث عن المبادئ التي أؤمن بها، من قبيل المحاسبة والمسؤولية والنزاهة والحياد ومحاربة الفساد، انسجاما مع الدستور المغربي ومخططات الإصلاح والاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وللتوجيهات الملكية السامية، إلا أن المفاجأة الكبرى كانت هي عندما اعتمد المجلس على التقارير التي كان يكتبها عني السيد وكيل الملك نفسه باعتباري عنصرا لا يصلح للقضاء -حسب رأيه- بكوني أشكل مصدر ازعاج له”.
وزاد قائلا “كما واجهني المجلس الأعلى للسلطة القضائية الموقر بضعف الإنتاج، مع أن القاضي لا يحاسب على الإنتاج بلغة الأرقام التي يعلن عنها كل نهاية السنة بقدر ما يحاسب على مدى تحقيقه للعدل والإنصاف وخدمة المصلحة العامة وتطبيق القانون والنزاهة والحياد، وهو ما كنت ألتزم به بشهادة الجميع بمن فيهم السيد المقرر في خلاصة تقريره”.
وختم البقالي بلاغه بالقول “طبعا كل ما واجهني به المجلس الأعلى للسلطة القضائية الموقر طفا على السطح فجأة ومباشرة بعدما راسلته وأشعرته بالإخلالات المذكورة، لأفهم آنذاك أن التعبير عن مناهضة الفساد في صفحتي الفايسبوكية أخطر من الفساد في حد ذاته، كما أن انتمائي الجمعوي لنادي قضاة المغرب ذي الفكر والمبادرات الإصلاحية كانت سببا في استهدافي منذ الوهلة الأولى”.
نادي قضاة المغرب دخل على خط القضية، حيث عبر عن مخاوفه إزاء الوضع، وكذا من انخفاض منسوب الشعور بالأمن المهني لدى عموم القضاة ، لاسيما أمام التزايد المطرد في فتح مساطر تأديبية بسبب أخطاء قضائية تصحح بطبيعتها عبر طرق الطعن القانونية، أو بسبب أمور لا تشكل إخلالا بمهنة القضاء ، كبعض الأخطاء المادية بسبب ضغوط العمل وكثرة القضايا المعروضة عليهم، فضلا عن المعاينات باعتباره إجراء من إجراءات تحقيق الدعوى، نص عليه الفصل 55 من قانون المسطرة المدنية.
كما عبر نادي قضاة المغرب في نفس السياق عن مخاوفه إلى عدم قدرة القضاة على توقع نتائج تدبير وضعياتهم المهنية بما فيها مسطرة التأديب ، ومدى احترام المعايير القانونية المتعلقة بها، و الواردة في الباب الأول من القسم الرابع من القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، خصوصا مبدأ “التناسب” بين الفعل والعقوبة، المنصوص عليه صراحة في مستهل المادة 99 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة وفق قاعدة التدرج.
و اعتبر نادي القضاة أن كل زعزعة لثقة القضاة في تدبير وضعياتهم المهنية من شأنه التأثير على اطمئنانهم، وهو ما قد يمس بشكل غير مباشر باستقلاليتهم واستقلال السلطة القضائية التي يمثلونها.
كما عبر نادي قضاة المغرب عن تضامنه المطلق واللامشروط مع القاضي عفيف البقالي لما عُرف عنه من استقامة ونزاهة و كفاءة و الدفاع عن استقلال السلطة القضائية، وهو ما أكدته مختلف التقارير المنجزة على ذمة قضيته من طرف جهات رسمية عديدة، دعما منه لممارسة القضاة لحقهم الدستوري في التعبير ، و إحالة ملف الأمن المهني للقضاة ومعه قضية الأستاذ عفيف البقالي كأنموءج له ، على أنظار المجلس الوطني لنادي قضاة المغرب الذي سينعقد بتاريخ 16 دجنبر 2023 باعتباره أعلى هيئة تقريرية بعد الجمع العام، وذلك من أجل تدارس سبل و آليات معالجته و إصدار توصيات بخصوصه.
في ختام بيان نادي قضاة المغرب مع الأستاذ عفيف البقالي أعلن عن تشبته القوي بمضامين الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية في فاتح مارس 2002 ، ولاسيما ما تعلق منها بتعزيز الضمانات التي يكفلها الدستور للقضاة، والتجرد في تدبير وضعيتهم المهنية، والحرص على مكافأة خصال النزاهة والاستقامة والجدية والشجاعة.