ابن أحمد.. مدينة منسية تُستباح باسم الجنون

كالعادة، وعلى مرأى من سكانها الذين ألفوا مشهد الغبن واليأس، تُستقبل مدينة ابن أحمد، المنسية في حضن إقليم سطات، قوافل جديدة من المختلين عقليًا، قادمين من مدن أخرى لا تجد فيهم سوى عبئًا تتخلص منه ببرود قاتل.
في كل مرة، تُلقى على عتبات هذه المدينة الهشة أجساد أنهكها الضياع، وعقول مزقتها الأرصفة والآلام. مدينة بالكاد تتنفس تحت وطأة الإهمال والتهميش، تُحمل فوق كاهلها وزرًا جديدًا لم تقترفه. يُلقى فيها بالمختلين كما تُلقى النفايات في الفيافي البعيدة، وكأن قدرها أن تكون مكبًا لكل من لفظتهم مدن الضوء.
ابن أحمد، هذه البقعة التي نسيها المسؤولون على هامش الخرائط، لا مستشفى للأمراض العقلية يليق بالبشر فيها، ولا مؤسسات للرعاية تحتضن من طوّحت بهم أقدارهم في متاهات الجنون. ومع ذلك، يصرّ البعض على أن يجعلوا منها مستودعًا لجراح الآخرين، دون أدنى مراعاة لكرامة سكانها، أو كرامة من يُرحّلون إليها قسرًا.
تتناثر على أرصفتها وجوه تائهة، تصرخ بلا سامع، وتبكي بلا مُجيب. بين أزقتها الضيقة، تختلط ملامح البؤس بالحيرة، فلا يدري العابر أهو في مدينة تعيش على قيد الحياة، أم في مقبرة للأمل سُجنت فيها الأرواح الهائمة.
ومع كل قافلة جديدة من هؤلاء المختلين، يكبر السؤال في حلق سكان ابن أحمد:
لماذا نحن؟
لماذا يُختار لمدينتنا كل هذا القبح الممنهج؟
أهو قدر مكتوب، أم سياسة مقصودة تُمعن في سحق من تبقى لنا من كرامة؟
هل المقصود أن تظل ابن أحمد هامشًا أبديًا، وحزامًا منسيًا يُفرّغ فيه المجتمع نفاياته البشرية حين تعجز المدن الكبرى عن احتوائها؟
أم أن في الأمر ما هو أخطر: تدمير ممنهج لذاكرة المكان وروحه، حتى ينكسر صوته إلى الأبد؟
بين الأسئلة الحارقة والصمت الرسمي المخجل، تبقى ابن أحمد مدينة تستغيث… لكن من يسمع استغاثة المنسيين