الفنيدق كارثة إنسانية و هجرة إلى الموت ولا من يتدخل لإيقاف النزيف

في كل ليلة، ومع حلول الظلام، تتحول مياه بحر الفنيدق إلى مسرح لمأساة تتكرر دون أن تلقى آذاناً صاغية أو حلولاً جذرية. شباب في مقتبل العمر، وأحياناً حتى أطفال، يلقون بأنفسهم في البحر هرباً من واقع اقتصادي واجتماعي يضيق بهم الخناق. في عيونهم بريق الأمل، لكن في أعماق البحر تختفي أحلامهم، ليصبح البحر مقبرة مفتوحة تبتلعهم واحداً تلو الآخر.
لم يعد الحديث عن الهجرة السرية مجرد خبر عابر في وسائل الإعلام، بل صار واقعاً مريراً يعيشه سكان الفنيدق يومياً. مع كل جثة بلفظها الساحل ، تجد هناك أم تبكي، وأب مكلوم، وعائلة تترقب مكالمة لن تأتي. حكايات الغرقى لا تنتهي، فمن لم يأكله البحر، وقع في براثن المافيات التي تتاجر بآلام هؤلاء الحالمين، أو في ضفة اخرى ليعيش على أمل تحقيق أحلامه.
ليس هناك من يغامر بحياته إلا إذا كان الوضع على اليابسة أشد قسوة من البحر. فالفقر، البطالة، وانسداد الأفق دفعت مئات الشباب إلى اتخاذ البحر ملجأً أخيراً. وعود التنمية التي لم تتحقق، والتهميش الذي يزداد عمقاً، جعل من الفنيدق ومدن اخرى طاردة لأبنائها، الذين يجدون في الأمواج فرصة أخيرة للخلاص، حتى لو كان ذلك يعني مواجهة الموت.
في ظل تكرار المآسي، لا تزال التدخلات خجولة وغير كافية. الحلول الأمنية لم تثنِ الشباب عن المغامرة، فالسياسة الأمنية وحدها لم ولن تكون كافية، طالما أن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية لم تُعالج. الفنيدق بحاجة إلى مشاريع تنموية حقيقية، إلى فرص عمل تحفظ كرامة شبابها، وإلى مقاربة إنسانية شاملة توقف هذا النزيف القاتل.
إلى متى ستظل مياه الفنيدق شاهدة على هذه التراجيديا المستمرة؟ إلى متى ستبقى الجهات المسؤولة تتعامل مع الهجرة السرية كأزمة موسمية، بدل الاعتراف بأنها كارثة إنسانية تحتاج إلى تدخل عاجل؟ آن الأوان لإنقاذ شباب الفنيدق و الوطن من مصير محتوم، فالبحر ليس حلاً، والهروب ليس خياراً، والموت ليس قدراً محتوماً!